يحبس السنغاليون أنفاسهم ترقبا لخطاب جديد للرئيس ماكي سال، سيحدد فيه موقفه النهائي من الترشح للانتخابات الرئاسية المقررة في فبراير القادم، والتي يثير تكتمه على الموقف منها الكثير من الجدل في البلاد.
ورغم أن الرئيس السنغالي، قدم قبل أيام على هامش مشاركته في قمة بباريس، بعض الإشارات الدالة على إمكانية ترشحه للرئاسة، من خلال قوله لحشد من أنصاره بباريس: “سنذهب بعد هذا الإعلان نحو مسيرة التقدم، ونحو النصر عام 2024″، وحديثه بصيغة الجمع عن البقاء في السلطة “بإرادة الشعب”، فإنه تعهد بالحسم في الترشح من عدمه في “خطاب للأمة” لم يحدد موعده، لكنه قال إنه بعد عيد الأضحى.
وقد استلم ماكي سال المختص في الجيولوجيا، والمرتقب أن تدخل بلاده نادي الدول المنتجة والمصدرة للغاز العام الجاري، يوم السبت توصيات الأطراف المشاركة في الحوار الوطني الذي افتتحه في 31 مايو الماضي، شملت 270 توصية حول العديد من مجالات الحياة العامة.
لكن اللافت في هذه التوصيات في الجانب السياسي منها، دعوة المتحاورين للسماح بترشح الأشخاص المدانين بالسجن، والذين استفادوا من عفو رئاسي، في إشارة لكريم واد نجل الرئيس السابق للبلاد عبد الله واد، والخليفة سال العمدة السابق لمدينة داكار، فالأول أدين في قضية “ثراء غير مشروع”، والثاني في قضية “نهب أموال عمومية”.
ويتضح من خلال هذه التوصية أن ماكي سال قد يسمح لخصميه المعارضين لنظامه بالترشح، بعد حرمانهما من ذلك خلال الفترة السابقة، مقابل ترشحه هو لولاية ثالثة، وربما تتوسع الدائرة لتشمل خصمه الأبرز عثمان سونكو المدان مؤخرا بالسجن سنتين بتهمة “إفساد الشباب”.
وبهذه الصيغة، سيكون من السهل سياسيا وشعبيا تقبل ترشح ماكي سال لولاية ثالثة، رغم الجدل القانوني التقليدي الذي تثيره، بين معارضة ترى أن الدستور حاسما في هذا الأمر ولا يقبل ترشح الرئيس لأكثر من ولايتين، وموالاة ترى أن التعديل الدستوري الماضي، يعيد عداد الولايات الرئاسية للصفر، وبالتالي يمكن للرئيس الترشح.
ولكن بطبيعة الحال، إذا لم يشمل العفو والسماح بالترشح المعارض القوي عثمان سونكو، فإن الولاية الثالثة لن تمر بسهولة، صحيح أن عدم اعتقال سونكو رغم إدانته بالسجن النافذ، امتص غضب أنصاره وأنهى أعمال العنف الرافضة للحكم عليه، ولكن هؤلاء قد لا يكتفون بأقل من السماح بترشح زعيمهم، الأمر الذي يبدو أنه لم يحضر في توصيات الحوار المقاطعة من طرف حزبه “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف اختصارا بـ”باستيف”.
وبالمقابل، ورغم أن السماح للثلاثي المعارض بالترشح للرئاسة، سيخلق تهدئة سياسية وشعبية، إلا أنه ليس مضمون النتائج بالنسبة لماكي سال، لأنهم قد يتوحدون خلف سونكو كمرشح، وربما تلتف حوله باقي أو بعض الأطراف السياسية المعارضة الأخرى، وهذا سيشكل تهديدا حقيقيا لحظوظ الرئيس في الظفر بولاية ثالثة.
فعثمان سونكو يتمتع بشعبية كبيرة في أوساط الشباب بالدرجة الأولى، منحته المركز الثالث في الانتخابات الرئاسية عام 2019، والمركز الثاني في البرلمان في تشريعيات 2022، وينظر إليه كأبرز مرشح لرئاسيات 2024.
وقد ضاعف سونكو التصعيد ضد النظام منذ صدور الحكم عليه، وذلك من خلال أعمال العنف التي شهدتها مؤخرا عدة مدن سنغالية، خلفت قتلى وجرحى وعلى إثرها اعتقل المئات، ومن خلال كذلك رفع شكوى أمام القضاء الدولي والفرنسي، ودعوة محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في “الجرائم التي ارتكبها ماكي سال”.
ورغم وصف وزيرة الخارجية السنغالية عيشتا تال سال في مقابلة مع وسائل إعلام فرنسية، هذه الشكوى ب”الصبيانية”، و”المثيرة للسخرية”، إلا أنها على الأقل ستشوه صورة نظام ماكي سال على المستوى الخارجي.
محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية