اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

هل تشعل قضية الجنود الإيفواريين فتيل أزمة جديدة بين مالي و”سيدياو”؟/ محفوظ ولد السالك

ليس جديدا أن العلاقات بين مالي وكوت ديفوار، متوترة منذ إطاحة الجيش بالرئيس المنتخب الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، وتوترت أكثر مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، بعد الانقلاب الثاني على رئيس المرحلة الانتقالية باه نداو، بعد أشهر من الانقلاب الأول.
لكن التطورات الأخيرة تشي ببوادر أزمة جديدة قد تندلع بين مالي و”سيدياو”، وبينها وكوت ديفوار، سيكون عنوانها الأبرز هذه المرة قضية الجنود الإيفواريين المعتقلين في باماكو منذ العاشر من يوليو الماضي.
فقد بعثت السلطات المالية برسائل غير ودية بالخصوص إلى رئيسي “سيدياو” عمارو سيسوكو إمبالو، وكوت ديفوار الحسن واتارا، معتبرة على لسان رئيس حكومتها عبد الله مايغا في خطاب رسمي، أن الأول يتبع للأمم المتحدة، رغم أن أمينها العام “ليس رئيس دولة”، وسيسوكو “ليس موظفا” لديه، وذلك بعد إعلان عمارو على غرار غوتيريش أن الجنود الإيفواريين “ليسوا مرتزقة”.
وبخصوص واتارا، فقد اتهمه مايغا في خطابه أمام الأمم المتحدة، بالقيام ب”مناورة” من أجل “الاحتفاظ بالسلطة لنفسه ولعشيرته” من خلال تغيير الدستور للترشح لولاية ثالثة.
كما اتهم مايغا رئيس النيجر محمد بازوم، وهو أحد قادة “سيدياو” بأنه “ليس نيجريا” ولا يتحلى بأخلاق الشعب النيجري، الذي قال إنه “شقيق لمالي، ويمتاز بقيم مجتمعية وثقافية ودينية غنية”.
ولم تقف مالي عند هذا الحد، فبعدما قررت “سيدياو” خلال قمة استثنائية عقدتها بنيويوك، إيفاد رؤساء السنغال وغانا والتوغو، إلى باماكو الثلاثاء المقبل، لدعوة الحكومة المالية لإطلاق سراح الجنود الإيفواريين، ردت الحكومة المالية بأن “إكراهات أجندة” تم وضعها مسبقا، ستجعل من غير الممكن استقبال الوفد الرئاسي قبل يوم الخميس أو الجمعة.
ولعل في ذلك رسالة رفض واضحة للزيارة، أو أنها إن حصلت فإن هدفها لن يتحقق، وهذا ما قد يدفع بالأزمة إلى التعقد أكثر فأكثر.
ويبدو أن مالي وبعدما اتضح لها أن كوت ديفوار، ليست مستعدة لمقايضتها إطلاق سراح الجنود، بتسليم شخصيات سياسية مالية أصدرت باماكو في حقها مذكرات اعتقال دولية، باتت تنحو منحى التصعيد.
وهذا ما قد يتسبب في فرض عقوبات جديدة على البلاد، الخارجة قبل أشهر من عقوبات اقتصادية قاسية، أثرت على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بشكل كبير.
ورغم أن مالي لا تزال معلقة العضوية في “سيدياو” ويخضع قادة مجلسها العسكري وآخرون لعقوبات من طرف المجموعة غرب الإفريقية، تتمثل في تجميد الأموال وحظر السفر الخارجي، فإنها قد تتعرض مجددا لعقوبات اقتصادية شبيهة بالسابقة أو قريبة منها، في حال أصرت على عدم إطلاق سراح الجنود.
كما أن كوت ديفوار تملك وسيلة ضغط على مالي، حيث تشكل مصدرا لنسبة 20% من كهربائها، وبالتالي فإنها قد تلجأ لتوقيف هذه الخدمة، خصوصا وأن مسؤولين إيفواريين تحدثوا في وقت سابق عن أن باماكو لم تسدد 40 مليار فرنك إفريقي من الديون المتراكمة مقابل الكهرباء الذي تحصل عليه.
وتربط البلدين علاقات اقتصادية كبيرة، ففي كوت ديفوار يقيم أزيد من مليون مالي، يزاولون نشاطات تجارية مختلفة، وتقدر مداخيلهم السنوية ب150 مليار فرنك إفريقي، حوالي 23 مليون أورو، نسبة معتبرة منها يتم تحويلها إلى البلاد.
كما أن كوت ديفوار بالمقابل، تستقبل شهريا مئات الشاحنات من المواشي قادمة من مالي، وبعضها من بوركينافاسو.
كما أن الفضاء غرب الإفريقي يشكل عمقا مهما لمالي تتابدل معه اقتصاديا وتجاريا، وتشكل موانئ بعض دوله متنفسا للدولة الحبيسة.
وبالتالي فإن هذه المصالح الاقتصادية والتجارية الكبيرة، يفترض أن يتم تعزيزها لمصلحة شعوب المنطقة، لا أن يتم تعريضها للخطر.
وهكذا فإن أي تصعيد يمكن أن يؤدي إلى الإضرار بهذه المصالح، يعتبر خطئا استراتيجيا جسيما، وقد لا يبقي الشعب المالي في صف المجلس العسكري الانتقالي، بل إنه قد ينتفض في وجهه، كما فعل مع أنظمة سابقة.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img