spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

السودان.. شهر من اقتتال الجنرالين

عاشت العاصمة السودانية الخرطوم شهرا من القصف العنيف المتبادل بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، لم يستطع خلاله الجنرالان المتصارعان عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو حسم المعركة.
وفيما لم يحقق أي من الطرفين “النصر” كان المواطن السوداني الخاسر الأكبر في حرب الجيشين هذه، فقد مات المئات، وجرح الآلاف، ونزح ولجأ ما لا يقل عن مليون شخص، بحثا عن أمن، كان ينتظر أن يصونه المتقاتلون الآن.
وعلى غرار عدم احترام الهدنات التي أعلنت في أكثر من مناسبة، لم يحترم الطرفان ما توصل له مفاوضوهما المجتمعون في جدة من تفاهمات أولية، وهو ما يعني أن الإصرار على الحسم العسكري، ما يزال مسيطرا كخيار وحيد، وليذهب البلد واستقراره، وأمنه، واقتصاده… في مهب الريح، بل ليكن كل ذلك رحيقا من أجل تحقيق “انتصار” زائف ووهمي!
لقد انتقل السودان من مرحلة التجاذب السياسي بين المدنيين والعسكريين، إلى مرحلة الاقتتال بين العسكريين، ولم يعد الحديث قائما عن المسار الانتقالي، ولا عن الديمقراطية، وتسليم السلطة للمدنيين.
ولا شك أن الأمور منذ البداية كانت تتجه إلى هذا الواقع، لأن وجود جيشين في بلد واحد، وبقيادتين مختلفتين منذر بعدم الاستقرار، ماحق لأي ديمقراطية ومؤسساتية، فهو سابقة سودانية في العالم.
الآن وبعد خروج الوضع عن السيطرة، بحيث لم يعد يسمع سوى أزيز الرصاص، لا يبدو أن للساسة والقوى المدنية رأيا أو قوة ضغط، كما كان يحصل قبل اندلاع حرب الجنرالين.
كما أن الأطراف الدولية ذات التأثير النسبي في السودان، مصطفة إلى جانب البرهان أو حميدتي، أما القوى الإقليمية فهي ضعيفة الفاعلية والتأثير، وبعضها له خصومة في الماضي أو الحاضر مع البلاد.
وتفسر كل تلك المعطيات، أن أمد الاقتتال سيطول، وأن عداد الخسائر سيظل في ارتفاع، ما لم تضع حرب الاستنزاف الداخلي هذه أوزارها.
لقد جرب السودان في مراحل مختلفة من عمر الدولة، الانقلابات العسكرية، والثورات الشعبية، والأزمات السياسية، والأمنية، بل وانفصل جنوبه قبل أزيد من عقد ليصبح دولة مستقلة، وكان حري بالبلاد ذات الخمسة والأربعين مليون نسمة، أن تستفيد من كل ذلك في الابتعاد عما يقوض ما تبقى من أركانها، وكيانها.
وهو أمر يبدو من الصعب الآن تلافيه، نتيجة الضعف الداخلي، والحسابات الخارجية، وسيكون من تداعياته المباشرة، تضاعف أعداد من يعانون انعدام أمن غذائي حاد، والذين تتوقع الأمم المتحدة أن يصلوا 19 مليون نسمة، بعدما كان ينظر إلى السودان كسلة غذاء عربي.
كما سترتفع أرقام القتلى والجرحى جراء الرصاص الطائش، أو الاستهداف المباشر، أو حتى بسبب انقطاع الخدمات، ونفاد المخزون الغذائي، تعددت الأسباب والموت واحد.
فضلا عن ذلك، سيزداد انهيار الوضع الاقتصادي في ظل توالي توقف الصادرات والواردات والحركة التجارية، بل ونهب الكثير من البنوك، وتوقف نشاطها، وقد كانت البلاد قبل الحرب الحالية تعاني مستوى غير مسبوق من التضخم.
وكلما اشتد الوضع الداخلي، فإنه يلقي بظلاله على الجوار السوداني بدوله السبع، ليس فقط من حيث التدفق الكبير للاجئين، وإنما كذلك على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ذلك أن توقف حركة البضائع والأشخاص له تداعيات كبيرة على فئات اجتماعية واسعة في المناطق الحدودية مع السودان.
كما أن استمرار اضطراب الوضع يمنح حرية أوسع “للمليشيات” والجماعات المسلحة لدخول السودان، أو العبور باتجاه بلدان أخرى مجاورة، وهذا من شأنه أن يعطي بعدا آخر للصراع الدائر بين قوات البرهان ودقلو، ويهدد الاستقرار في دول أخرى.
وإذا ما واصل الطرفان إصرارهما على عدم منح أي اعتبار لتداعيات حربهما، فإن البلد سيواصل انحداره سريعا نحو الانهيار.

محفوظ ولد السالك
كاتب صحفي متخصص في الشأن الإفريقي

spot_img