قبل أيام صادق البرلمان الغابوني بغرفتيه على تعديل دستوري يقضي بتقليص مدة ولاية الرئيس من 7 إلى 5 سنوات، وكذا مدة ولاية البرلمانيين من 6 سنوات إلى 5 أعوام.
لكن اللافت في التعديل الدستوري الذي يأتي أشهرا قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة شهر أغسطس المقبل، أنه لا يقيد الولايات الرئاسية والتشريعية، بل إنه يتيح لرئيس البلاد والمنتخبين أن يترشحوا مدى الحياة.
وهذا المعطى يناقض المقتضيات الديمقراطية في الأنظمة الجمهورية، حيث تكون الولايات محددة العدد، وأغلبها في إفريقيا كثيرا ما يكون ولايتين غير قابلتين للتجديد.
وفضلا عما سبق، فقد ألغى التعديل الجديد كذلك نظام الشوطين، بحيث يصبح رئيسا للبلاد المتنافس الحاصل على أعلى نسبة، سواء زادت على الخمسين بالمائة، أو نقصت عنها.
ويأتي إقرار الشوط الواحد في التعديل الدستوري الجديد، ليلغي نظام الجولتين الذي تم اعتماده في تعديل دستوري سابق عام 2018، وهو ما يعني العودة إلى ما كان عليه الوضع سابقا، حيث إن الرئيس علي بونغو أونديمبا فاز بولاية رئاسية ثانية عام 2016 بنسبة 49.80% مقابل 48.23% حصل عليها منافسه المعارض جان بينغ، وفارق الأصوات بينهما كان فقط 5500 صوت.
وإذا كان التعديل الدستوري الحالي، يعتبر نتاج حوار حصل في فبراير الماضي بين النظام وجزء من المعارضة، فإن جزءا آخر منها قاطع المشاورات، ويعترض على التعديل ويعتبر أنه تم على مقاس الرئيس.
ففي نظر مناهضي هذا التعديل الدستوري، أنه يسهل للرئيس علي بونغو، الذي يحكم البلاد منذ نحو 14 عاما، الفوز بولاية رئاسية ثالثة، وهو ما سيؤجل بالتالي إمكانية حصول تناوب ديمقراطي على السلطة، فالرئيس الحالي يتولى الرئاسة منذ 2009، بعد وفاة والده عمر بونغو أونديمبا، الذي أمضى 42 سنة في الحكم.
وهذا يعني أن أسرة بونغو تحكم الغابون منذ أزيد من نصف قرن في ظل نظام جمهوري، وهي حالة ما تزال تنطبق على دول قليلة في القارة، كالتوغو مثلا التي يتولى رئيسها الحالي فور نياسينغبي الحكم منذ عام 2005، حيث خلف والده الجنرال ياديما نياسينغبي، الذي أمضى بدوره 38 عاما في الرئاسة.
وفي الكونغو الديمقراطية حكم جوزيف كابيلا البلاد 18 سنة، بعد مقتل والده لوران ديزيري كابيلا عام 2001، رغم أنه لم يمض في السلطة سوى 4 سنوات تقريبا.
لكن الدولة التي تعد الأكبر في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، شهدت في 2019 أول تناوب ديمقراطي على السلطة منذ استقلالها عام 1960، حيث انتخب الكونغوليون فيليكس تشيسيكيدي رئيسا لهم، وتنحى كابيلا عن الرئاسة، على إثر اتفاق يقضي بعدم مشاركته في الانتخابات.
وفضلا عن ذلك، يوجد رؤساء آخرون لم يرثوا السلطة، لكنهم بقوا في الرئاسة لعقود طويلة، وبعضهم ما يزال إلى الآن رئيسا كما في غينيا الاستوائية، والكاميرون مثلا.
ولا تخفي بعض أوساط المعارضة الغابونية، أن الرئيس علي بونغو غير قادر على البقاء في السلطة، بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2019، غيبته عن البلاد لعدة أشهر، وتعرض نظامه لمحاولة انقلابية فاشلة خلال نفس السنة.
لكن المعارضة الغابونية بالمقابل غير موحدة، وهذا قد يضعف من قدرتها التنافسية في الانتخابات التي تفصل عنها أقل من 5 أشهر، بعدما أوشكت على الفوز في رئاسيات 2016.
ورغم أن علي بونغو لم يعلن رسميا الترشح للرئاسة، إلا أن الحزب الديمقراطي الحاكم في الغابون، دعاه لذلك في ختام مؤتمره العام نهاية دجمبر الماضي، وقد رحب بونغو بالدعوة واعتبرها دليلا على الثقة.
وهذا يعد مؤشرا على أنه ماض في البحث عن ولاية ثالثة، لكن الأكيد أن ولايته المقبلة لن تكون هادئة، إذ سيواجه جزءا من المعارضة رافضا لبقائه في السلطة، تغذي رفضه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة لسكان هذا البلد النفطي.
محفوظ ولد السالك/ كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية