spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

اتفاق الهجرة البريطاني الرواندي.. فرص النجاح وبواعث الفشل

حلت نهاية هذا الأسبوع وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان برواندا، في زيارة تعد الأولى لمسؤول بريطاني إلى كيغالي، منذ انتخاب المحافظ ريشي سوناك رئيسا للوزراء اكتوبر الماضي.
وقد ركزت الوزيرة البريطانية خلال مباحثاتها مع المسؤولين الروانديين، على اتفاق الهجرة الموقع بين بلادها ورواندا منتصف ابريل 2021.
ويقضي هذا الاتفاق المثير للجدل، بنقل المهاجرين غير النظاميين الساعين للحصول على لجوء، من الأراضي البريطانية إلى رواندا، في خطة تمتد 5 سنوات، وبموجبها تحصل كيغالي على دعم مالي قيمته حوالي 146.5 مليون دولار أميركي.
ومن الواضح أن بريطانيا تريد من خلال هذا الاتفاق التخفيف من الهجرة نحوها، إذ يعبر سنويا بحر المانش آلاف الأشخاص، معظمهم شباب، نحو السواحل البريطانية على متن زوارق صغيرة.
ومن أجل التصدي لذلك تدفع لندن عشرات ملايين الأورو لباريس، قصد المساعدة في وقف عمليات عبور القوارب، بما في ذلك تكثيف الدوريات على الشواطئ.
وفيما ترحب السلطات الرواندية بالاتفاق، وتعتبره خطوة هامة نحو المساهمة في حل أزمة الهجرة العالمية، متعهدة بأن توفر للمهاجرين وطالبي اللجوء “فرصة لبناء حياة جديدة في رواندا”، فإن الاتفاق يثير الكثير من اللغط والجدل في بريطانيا.
ففي شهر يونيو الماضي، ألغيت أول رحلة جوية كان يفترض أن ترحل لاجئين من بريطانيا إلى رواندا، وذلك إثر طعن قانوني تم في اللحظات الأخيرة، حيث تعتبر عدة جمعيات خيرية، ومحامون يمثلون طالبي اللجوء أن الاتفاق مخالف لاتفاقية الأمم المتحدة لحماية اللاجئين، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، اللتين وقعت عليهما بريطانيا.
ويقضي الاتفاق بين لندن وكيغالي، بترحيل البالغين ممن تقل أعمارهم عن 60 عاما، ووصلوا إلى بريطانيا دون أسرهم أو أطفالهم، وبطريقة غير شرعية.
وفي أكثر من مناسبة، أعلنت الحكومة الرواندية أن لديها القدرة على استيعاب 1000 طالب لجوء ينقل إليها من المملكة المتحدة، مؤكدة أن لديها قدرة لاستيعاب أكبر من هذا العدد، وهو تأكيد يعتبر مغريا بالنسبة لبريطانيا، التي استقبلت 28526 مهاجرا غير نظامي خلال العام 2021.
وتستضيف رواندا حاليا نحو 150 ألف لاجئ من بلدان إفريقية مختلفة، بينها بورندي المجاورة وجمهورية الكونغو الديمقراطية، كما تستضيف كذلك مهاجرين حاولوا عبور البحر المتوسط إلى أوروبا عبر ليبيا.
ويعمل بعض هؤلاء اللاجئين في المزارع والمنازل، لكن معظمهم عاطل عن العمل، ويعتمد بشكل أساسي على المساعدات التي تقدمها الدولة، وتبلغ حوالي 35 دولار في الشهر.
وفيما لم يحل بعد مشكل الاتفاق الثنائي على مستوى القضاء البريطاني، أعلنت الحكومة البريطانية قبل أيام عن قانون جديد، يمنع المهاجرين القادمين على متن قوارب صغيرة عبر جزر القنال الانجليزي، أو بحر المانش، من طلب اللجوء في بريطانيا، وبموجب القانون سيتم إبعادهم إلى رواندا أو إلى بلد ثالث آمن، وتحظر عليهم العودة إلى الأبد.
وضمن ردود الفعل على هذا القانون، أعربت الأمم المتحدة عن قلقلها العميق، وقالت إن التشريع الجديد يتعارض مع التزامات المملكة المتحدة في مجال حقوق الإنسان وحقوق اللاجئين.
كما ندد ناشطون بهذا القانون، الذي يسعى ريشي سوناك ووزيرة داخليته سويلا بريفرمان – وهما من أبناء مهاجرين إلى بريطانيا – لتطبيقه.
كما أن تجربة رواندا السابقة مع إسرائيل بهذا الخصوص، حيث عقد الطرفان اتفاقا امتد خلال الفترة ما بين 2014 و2017 قبل أن يتوقف بسبب فشل المخطط، لا تعتبر مطمئنة بالنسبة لمناهضي الاتفاق البريطاني الرواندي.
وفي حال فشل هذا الاتفاق، فإن الأمر قد يؤثر كذلك على قرار الدانمارك الساعية هي الأخرى لتوقيع اتفاق شبيه مع رواندا، وقد ينهي مساعي بلدان أخرى ربما تنوي أن تخطو ذات الخطوة مع كيغالي.
فالبلاد التي صنعت معجزة تنموية خلال أقل من 3 عقود، وحققت نهضة اقتصادية واجتماعية وعمرانية، جعلتها تتجاوز ما خلفته حرب الإبادة الجماعية التي أودت بحياة 800 ألف شخص، تثير تجربتها واستقرارها اهتمام العديد من البلدان الغربية، وترى أن بإمكانها أن تشكل متنفسا لها في قضية الهجرة واللجوء.

محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img