spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

جدل الدستور في مالي.. كيف سيواجه غويتا “الإمامة”؟

أجلت السلطات الانتقالية في مالي موعد الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، الذي كان مقررا في 19 من الشهر الجاري، إلى أجل غير مسمى حتى الآن، ما أثار شكوكا بشأن عدم التزامها بالموعد الذي حددت لإجراء انتخابات رئاسية وتسليم السلطة لرئيس مدني منتخب في مارس 2024.

وقد أكدت الحكومة المالية على لسان الناطق باسمها عبد الله مايغا، التزامها إجراء الانتخابات في موعدها، وبررت تأجيل موعد الاستفتاء، بمنح وقت كاف لتعيين ممثلين عن هيئة إدارة الانتخابات، وكذا التعريف بنص المشروع الدستوري.

والواقع أن المشروع الدستوري الذي يعد ركيزة أساسية في “إعادة تأسيس الجمهورية”، الذي يعد به المجلس العسكري الانتقالي، يصطدم برفض من طرف “رابطة الأئمة والعلماء الماليين من أجل التضامن الإسلامي في مالي” المعروفة اختصارا ب”الإمامة”.

فهذه الرابطة تضم عددا واسعا من رجال الدين في البلاد، بينهم محمود ديكو إمام “مسجد السلام” بباماكو، والرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى، المعروف بدوره الكبير في التعبئة والحشد ضد نظام الرئيس الأسبق الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، قبل أن يطيح به رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحالي ورفاقه.

وقد دعت الرابطة “كل الوطنيين المسلمين للتصويت ضد المشروع” بصيغته الحالية، في حال أصرت السلطات على المضي في تقديمه للاستفتاء، داعية إلى إجراء تعديل على مادته التي تنص على أن مالي “جمهورية مستقلة ذات سيادة وموحدة، وغير قابلة للتجزئة، وديمقراطية وعلمانية واجتماعية”، واعتماد بدلا من “علمانية الدولة”، عبارة “دولة متعددة الطوائف”.

وقبل المشروع الدستوري، خرجت في نوفمبر الماضي مظاهرات “مليونية” في البلاد تنديدا ب”الإساءة” للقرآن الكريم و”التطاول” على الرسول صلى الله عليه وسلم في شريط مصور نشر على وسائل التواصل الاجتماعي، من طرف أشخاص تحدثت مصادر قضائية حينها، عن أنهم ينتمون لطائفة “تنكر وجود الله والأنبياء”.

وقد عكست هذه التظاهرات قوة ونفوذ رجال الدين في البلاد، وكانت بمثابة رسالة موجهة للسلطات العسكرية الانتقالية، مفادها أن من حشدوا ضد نظام مدني منتخب، قادرون أيضا على الحشد ضد نظام انقلابي.

ثم إن محمود ديكو سبق وأن انتقد بشدة قادة المجلس العسكري الانتقالي واتهمهم ب”الغطرسة”، والسعي للبقاء “لفترة انتقالية غير محددة”، وهو ما من شأنه أن يتعزز الآن بعد تأجيل موعد الاستفتاء الدستوري.

صحيح أن مشروع الدستور لا تعارضه كل الأوساط الدينية، كما هو الحال مثلا بالنسبة للرئيس الحالي للمجلس الإسلامي الأعلى عثمان مداني حيدرا، حيث تحدثت وسائل إعلام محلية عن أن السلطات أرسلت له وفدا يحمل نسخة من نص المشروع، إلى فرنسا حيث كان يتلقى العلاج هناك، وقد أعلن تأييده له.

ولكن تأثير “الإمامة” فيما يبدو أقوى من تأثير “المجلس الإسلامي الأعلى”، وبالتالي فإن المضي في إجراء الاستفتاء بموعده، لن يكون مضمون العواقب، خصوصا وأن المشروع لا يعارضه العلماء والأئمة فقط.

فمن أصل 281 حزبا وجهت له السلطات المالية دعوات للتشاور وتقديم مقترحات حول النسخة الأولى من المشروع الدستوري التي تم تقديمها شهر اكتوبر الماضي، استجاب فقط 50 حزبا سياسيا.

وهذا يعتبر مؤشرا قويا على عدم الإجماع السياسي على المشروع الدستوري، الذي يعزز بشكل كبير سلطة رئيس الدولة، وينص على أنه هو من “يحدد سياسة الأمة” و”يعين رئيس الوزراء، والوزراء وينهي مهامهم”، كما يمكنه “حل الجمعية الوطنية”.

وقد خضع المشروع المقدم اكتوبر، لتنقيح بموجبه تقلص عدد مواده من 195 إلى 192 مادة، وأعلنت اللجنة المكلفة بصياغته حذف أجزاء منه، وإدماج أخرى، فضلا عن إعادة صياغة بعض الفقرات، لكن كل ذلك لم يجد في رفض الأئمة له، والتهديد بالتصعيد ضده.

وهو ما تحاول السلطات تفاديه، لأنها لا تريد لمشروعها الدستوري أن يسقط على أيدي أئمة وعلماء البلاد، كما حصل مع مدونة الأحوال الشخصية عام 2009، حيث اعتبروها “مخالفة في الكثير من موادها لأحكام الشريعة الإسلامية”.

ولا شك أن أي مشروع مرفوض من طرف “الإمامة” وأزيد من 200 حزب سياسي، سيكون مآله الرفض، وهذا ما يجعل السلطات الانتقالية أمام اختبار صعب، ستحاول إزاءه تمرير رؤاها وتصوراتها، دون الدخول في معركة مع أئمة وعلماء وساسة البلاد.

محفوظ ولد السالك:  كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img