spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

إفريقيا وثنائية الانقلابات العسكرية والتناوب الديمقراطي

طوت إفريقيا صفحة عام 2022، وقد عرفت بعض دولها تناوبا ديمقراطيا على السلطة، كما حصل في الصومال، حيث انتخب برلمانها حسن شيخ محمود رئيسا جديدا للبلاد خلفا للرئيس السابق محمد عبد الله محمد.
كما انتخبت كينيا صاحبة أقوى اقتصاد بشرق القارة الإفريقية، رجل الأعمال الثري وليام روتو، خلفا للرئيس الذي حكمها لولايتين رئاسيتين أهورو كينياتا.
ومقابل التناوب على السلطة، أعادت بلدان أخرى انتخاب رؤسائها، كما هو الحال بالنسبة لأنغولا التي تم فيها التجديد للرئيس جواو لورينسو لولاية ثانية، وغينيا الاستوائية التي انتخبت تيودورو أوبيانغ لولاية سادسة، سيمضي في نهايتها نصف قرن على رئاسة بلد غني وشعب فقير.
وعلى غرار سنوات سابقة، لم تمض سنة 2022 دون وقوع انقلابات عسكرية في القارة الإفريقية، ففي بوركينافاسو مثلا وقع انقلابان عسكريان خلال أقل من 10 أشهر، كما أعلن عن محاولة انقلابية، كانت سترفع رصيد البلاد إلى 3 انقلابات في سنة واحدة، وهو رقم قياسي لم يسبق له الحصول في دولة إفريقية.
وقد أعلن عن إحباط محاولات انقلابية في عدة دول أخرى، بينها غينيا بيساو، والرأس الأخضر، وغامبيا.
وتعكس هذه المعطيات أن العملية الديمقراطية في إفريقيا ما تزال هشة، وأن ثقافة “البيان رقم 1” تظل حاضرة في عدد من بلدان القارة، خصوصا التي تعاني من هجمات الجماعات المسلحة، إذ كثيرا ما يتهم العسكر المدنيين بالفشل في إحلال الأمن والسلام، وحين ينقلبون عليهم، فإنهم يكررون نفس الفشل.
ويعني ذلك عدم استبعاد أن تواصل الانقلابات العسكرية دوامتها خلال العام 2023، رغم مساعي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” لنشر قوة عسكرية ضد الانقلابات وتوسع نشاط الجماعات المسلحة في فضاء الساحل وغرب إفريقيا، وعلى الرغم كذلك من إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال القمة الأمريكية الإفريقية التي احتضنتها واشنطن الشهر الماضي، عن دعم خاص لتعزيز الديمقراطية والانتخابات في إفريقيا.
وتستعد عدة دول إفريقية لإجراء انتخابات رئاسية خلال العام الجديد، بينها نيجيريا التي ستنتخب شهر فبراير المقبل رئيسا جديدا خلفا لرئيسها الحالي منتهي الولاية محمدو بخاري، وقد آثر احترام مقتضيات الدستور الذي يمنحه ولايتين رئاسيتين فقط، وعدم تعديله من أجل البقاء في السلطة، كما فعل رؤساء آخرون.
كما ستجري السنغال خلال هذه السنة انتخابات رئاسية، لم يحدد بعد الرئيس الحالي ماكي سال موقفه منها، رغم أن الدستور لا يمنحه سوى ولايتين رئاسيتين وقد انتهتا.
وستنظم الغابون انتخابات رئاسية، أعلن الحزب الديمقراطي الغابوني الحاكم في البلاد ترشيح الرئيس الحالي علي بونغو أونديمبا للتنافس فيها بحثا عن ولاية جديدة، ستكون الثالثة له في حال فوزه، وذلك منذ وفاة والده عمر بونغو أونديمبا.
كما ستنظم ليبيريا وسيراليون ومدغشقر والكونغو الديمقراطية انتخابات، سيشارك فيها رؤساء البلدان الحاليين بحثا عن ولايات جديدة، رغم الأزمات التي تمر بها بعض دولهم.
وتفسر هذه المعطيات أن ثنائية الانقلابات والتبادل على السلطة، أو على الأقل تنظيم الانتخابات، ستتواصل خلال السنة الجديدة، ما يعني حاجة القارة إلى العمل على البناء المؤسسي، وتجذير الممارسة الديمقراطية، وتعزيز جهود التنمية والتصدي للجماعات المسلحة.
وبالتالي فإن المعركة يجب أن تركز على هذه المجالات، من أجل بدء مسار جدي نحو القطيعة مع الممارسات التي تشكل جزءا من أسباب تخلف القارة الإفريقية، وإعاقة تقدمها.
صحيح أن المسار قد يأخذ وقتا طويلا، ولكنه ضروري لصالح القارة ومستقبلها، فالنماذج الديمقراطية التي تحصل من حين لآخر في إفريقيا تظل محدودة، مقارنة مع الانقلابات، وبقاء الرؤساء في السلطة لفترات طويلة.
محفوظ ولد السالك: كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img