اتفقت إيران ومالي خلال زيارة مؤخرا لرئيس دبلوماسية طهران حسين أمير عبد اللهيان إلى باماكو – تعتبر الأولى له إلى القارة الإفريقية – على تعزيز التعاون وبناء شراكة استراتيجية بين الطرفين.
وقد هيمنت المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية، ولكن أيضا الأمنية والدفاعية، على اهتمام البلدين اللذين يشتركان في مواجهة ضغوط من المجتمع الدولي.
ويبدو أن مالي تبحث من خلال التقارب مع إيران، الذي بدأته عمليا منذ فبراير الماضي، حيث زار رئيس دبلوماسيتها عبد الله ديوب طهران، عن بناء شراكات دولية جديدة، بعد طي صفحة العلاقة مع فرنسا، التي سحبت آخر قواتها من الأراضي المالية مؤخرا، منهية بذلك 9 سنوات من الوجود العسكري في البلاد.
وقد اختارت مالي بعناية شريكيها الجديدين روسيا وإيران، وهما بلدان مهمان عسكريا واقتصاديا، وخصمان لفرنسا وشركائها الغربيين، بفعل الملف النووي، والحرب في أوكرانيا.
ولهذا فإن عسكريي باماكو أرادوا من خلال التقارب مع موسكو وطهران القطيعة النهائية مع باريس وحلفائها، وبناء حلف مع خصومها، الذين يسعون بدورهم من خلال العلاقة مع مالي، منافسة فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية بغرب القارة الإفريقية.
وقد بدأت بعض تلك الملامح تتضح بالنسبة لروسيا، ففي النيجر وبوركينافاسو واتشاد تخرج مظاهرات شعبية من حين لآخر للمطالبة بمغادرة فرنسا وإبدالها بروسيا.
وفي ظل هذا “القبول” الروسي في المنطقة، تريد إيران التي يتوجس الغرب من تحولها لمورد رئيسي للسلاح إلى روسيا في حربها بأوكرانيا، إحياء علاقاتها التقليدية مع إفريقيا، وبناء تحالفات جديدة مع بعض دولها، وسط مخاوف وتحذيرات من تغلغل الحرس الثوري الإيراني، وقوات فاغنر في المنطقة.
ويعود الاهتمام الإيراني بإفريقيا إلى أزيد من نصف قرن، فخلال فترة الخمسينيات والستينيات كانت لدى طهران علاقات ذات طابع اقتصادي وتجاري مع عدد من دول القارة، خصوصا السودان والكونغو الديمقراطية، والصومال وإثيوبيا والسنغال.
كما عززت إيران علاقاتها مع نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، قبل أن تقطع العلاقات معه لاحقا، وتعلن دعمها لحزب المؤتمر الوطني الإفريقي وزعيمه التاريخي نيلسون مانديلا.
وقد ظل اهتمام إيران بالقارة الإفريقية يتوسع شيئا فشيئا، فأقامت خلال العام 1976 علاقات دبلوماسية مع 31 دولة بالقارة.
وقد شهدت علاقات الطرفين الإيراني والإفريقي نقطة تحول خلال فترة التسعينيات، إثر تنفيذ العقوبات الدولية ضد إيران، وكان من بوادر ذلك التحول، قيام الرئيس الإيراني حينها هاشمي رفسنجاني بزيارة إلى كينيا وأوغندا، والسودان وزيمبابوي، وتنزانيا وجنوب إفريقيا، من أجل تخفيف الحصار الغربي.
وخلال رئاسة محمد خاتمي بين عامي 1997-2005، تعززت العلاقات الإيرانية الإفريقية، لا سيما في المجالين الاقتصادي والصناعي.
وقد اهتم خاتمي بمنطقة غرب إفريقيا، فزار في نهاية ولايته في يناير 2005 نيجيريا والسنغال، التي أعادت إيران العلاقات المقطوعة معها منذ عام 1984، كما زار مالي وبنين وسيراليون، وزار وزير خارجيته غانا ووقع معها على اتفاقية بقيمة 1.5 مليون دولار.
ومع وصول محمود أحمدي نجاد السلطة في يونيو 2005، بدأت إيران تهتم بالبعد العسكري في علاقاتها مع إفريقيا، فركزت على التعاون الأمني مع عدد من دول القارة لمواجهة “الإرهاب” والقرصنة.
وعلى ذات نهج الاهتمام بغرب إفريقيا ومنطقة الساحل، سار نظام حسن روحاني والآن نظام إبراهيم رئيسي، فالزيارة الأخيرة لرئيس الدبلوماسية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان لمالي تأتي ضمن ذات السياق.
وينتظر أن يشكل البعد العسكري المدخل الرئيسي لإيران في الساحل وغرب إفريقيا، من خلال تقديم مساعدات أمنية وعسكرية لدول المنطقة، وإرسال الخبراء والعسكريين للتكوين، وذلك انسجاما مع حاجتها للدعم في حربها ضد الجماعات المسلحة.
كما يشكل البعد الديني كذلك أحد مداخل إيران للتغلغل في الغرب الإفريقي، من خلال تعزيز العلاقات مع الدوائر الدينية في المنطقة.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية