spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

انسحاب فرنسا من مالي.. النجاح والفشل والربح والخسارة/ محفوظ ولد السالك

أخيرا سحبت فرنسا قواتها العسكرية من مالي، بعد 9 سنوات على وجودها في البلاد، حققت خلالها بعض النجاحات، كما راكمت بعض الفشل كذلك.
وإذا كان معيار نجاح أو فشل القوات الأجنبية، يقاس بطول أو قصر الفترة الزمنية التي تمضيها خارج الحدود، فإنه يمكن القول إن فرنسا نجحت من خلال قوة “سرفال” التي تدخلت في مالي عام 2013 بطلب من حكومتها، في تحرير مدن الشمال التي كانت تحت قبضة المسلحين، وانتهت مهمتها بنجاح.
ولعل هذا النجاح هو ما وسع دائرة أطماع فرنسا في المنطقة عبر بوابة “محاربة الإرهاب”، فأعلنت عام 2014 عن نشر قوة “بارخان” التي استلمت المشعل من “سرفال”، لكن لهذه القوة طابع إقليمي، حيث تم نشرها في كل من مالي وموريتانيا والنيجر وبوركينافاسو واتشاد.
ولعل هذا التوسع العسكري الفرنسي، قد يجد تفسيرا له في أن خطر الجماعات المسلحة لم يعد مقتصرا على مالي، وإنما توسع باتجاه النيجر وبوركينافاسو، أما موريتانيا فتتقاسم مع مالي حدودا تفوق الألفي كلم، وهي معنية بدرجة كبيرة بما يجري في جارتها من تدهور أمني، كما أن تشاد تعاني من هجمات جماعة بوكوحرام، وتواجه من حين لآخر بعض عمليات التمرد.
وإذا كان الحضور العسكري الفرنسي من خلال “بارخان” قد نجح على مدى 8 سنوات في الحفاظ على المصالح الفرنسية في المنطقة، إلا أنه ورغم القضاء على مئات المسلحين، فشل في وضع حد لنشاط الجماعات المسلحة، وهذا ما جعل التظاهرات الشعبية تخرج مطالبة برحيل القوات الفرنسية في مختلف البلدان الموجودة بها.
ويحتم هذا الوضع على فرنسا كي تحافظ على بقائها في المنطقة، إعادة بناء علاقاتها العسكرية والاقتصادية والتجارية مع بلدان القارة، على أسس جديدة تستجيب لتطلعات شعوب إفريقيا، وأولوياتها.
وقد وضعت الحكومة المالية، بعد الانسحاب الفرنسي من البلاد، ثلاث أولويات تحكم علاقاتها مستقبلا مع أي شريك دولي لمواجهة “الإرهاب” تتمثل في احترام سيادة مالي، والخيارات الاستراتيجية التي تتخذها، إضافة إلى الدفاع عن مصالح الشعب المالي.
ومن الواضح أن علاقات باماكو وباريس، يصعب أن تعود إلى سابق عهدها في ظل السياق الراهن، بواقعه الداخلي والإقليمي والدولي المعقد، وفي ظل وجود السلطات الحالية.
لكن هذه المحددات مهمة كموجهات أساسية للعلاقة مع الشركاء الدوليين، فمالي بلا شك ليست قادرة على مواجهة الجماعات المسلحة بالاعتماد على قدراتها الذاتية، وقد خسرت شريكا مهما ومتمرسا قاد خلال العقود الأخيرة 7 عمليات عسكرية في إفريقيا.
كما خسرت فرنسا شريكا تقليديا لها في المنطقة مهما للتجارة والاستثمار، وللتوسع في الساحل وغرب إفريقيا، فمالي التي لا منفذ بحري لها، تعد الثالثة إفريقيا بعد غانا وجنوب إفريقيا في إنتاج الذهب، ولها مقدرات هامة من اليورانيوم والبوكسيت والحديد والملح، واكتشفت فيها قبل أشهر كميات من الماس.
وإلى جانب ثروتها المعدنية، تعتبر مالي من الدول الإفريقية الغنية بالمحاصيل الزراعية كالقطن والأرز والذرة والفول السوداني، حيث تمثل نحو 40% من ناتجها المحلي الإجمالي، فضلا عن ثروتها الحيوانية الكبيرة.
وتعد هذه المقدرات الاقتصادية مهمة، وتفتح المجال أمام الكثير من شركات العالم للعمل في مجالات الاستغلال والإنتاج والاستثمار، وإذا ما انضافت إلى ذلك صفقات شراء السلاح، فإن مالي ينتظر أن تشهد إقبالا دوليا متزايدا، وهو ما سيتيح لها إمكانية تعدد وتنوع الشراكات، بحيث لا تقتصر على روسيا فحسب، لأن الاعتماد على شريك واحد لن يكون كافيا.
كما أن القضاء على “الإرهاب” سيظل مستعصيا إن لم يكن مستحيلا، ما لم تحصل تفاهمات مع الجماعات المسلحة الناشطة في مالي والمنطقة، أما التعويل على طرف ما من أجل حسم المعركة عسكريا، فسيكون الفشل لا محالة مآله في نهاية المطاف.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img