منذ وصول العسكريين إلى السلطة في مالي، على إثر انقلابي أغسطس 2020 ومايو 2021، لم تخف بعض الدول الإفريقية بينها النيجر وساحل العاج، موقفها المناهض للتغيير غير الديمقراطي للنظام المدني المنتخب في البلاد.
وقد شكل ذلك بداية أزمة ظلت صامتة بين مالي وهذين البلدين، وكانت من حين لآخر تظهر تصريحات من هنا وهناك تعكس في جوهرها عدم توافق أبيدجان ونيامي مع التطورات الجارية في باماكو.
ومع تصاعد تضييق الخناق على السلطة الانتقالية في مالي، من خلال فرض عقوبات أوروبية وغرب إفريقية على البلاد وحكامها الجدد، أصبحت هوة الخلاف تتسع.
وظلت باماكو تلمح في مناسبات عدة، خصوصا بعد تدهور علاقاتها مع باريس وبدء مغادرة القوات الفرنسية البلاد، على أن ساحل العاج والنيجر تعملان بإيعاز من فرنسا التي تربطها علاقات جيدة بالبلدين، من أجل التضييق على السلطات الانتقالية المالية، وعزلها عن المحيطين الإقليمي والدولي.
وجاءت المكالمة المسربة على نطاق واسع شهر فبراير الماضي، بين رئيس ساحل العاج الحسن واتارا، والوزير الأول المالي الأسبق بوبو سيسي، لتؤجج التوتر بين البلدين، حيث اعتبرتها مالي تنطوي على محاولة هجوم وتواطؤ ضد أمنها الداخلي والخارجي.
ووصف واتارا في التسريب الصوتي، عسكريي مالي بأنهم “أغبياء تجاه روسيا”، وقال إن الدولة المالية “ليس لديها اقتصاد”، وإن عقوبات “سيدياو” سيكون تأثيرها كبيرا، لأن نسبة “30 إلى 40% من ميزانية مالي مصدرها الخارج”.
ويبدو أن مالي كانت تتحين الفرصة لرد الصاع صاعين لساحل العاج، خصوصا بعد رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية عنها مؤخرا، من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وقد تمثل الرد في توقيف 49 جنديا عاجيا في مطار باماكو قبل أيام على متن طائرتين إحداهما محملة بالسلاح، كانوا قادمين في مهمة تأمين بعض المواقع التابعة للبعثة الأممية، وذلك عن طريق شركة كندية وسيطة.
ومن خلال طبيعة الاتهامات الموجهة للجنود الموقوفين، يتضح أن باماكو كانت تنتظر لحظة الانتقام، فقد اعتبرتهم “مرتزقة”، وهي الصفة التي توصف بها القوات الروسية الموجودة في مالي، والتي انتقد واتارا حضورها في البلاد.
كما اتهمت السلطات المالية هؤلاء الجنود بأنهم كانوا بصدد زعزعة أمنها واستقرارها، وهي ذات التهمة التي كيفت بها العدالة المالية مضمون المكالمة المسربة بين واتارا وسيسي.
ويشي هذا التطور بأن التوتر في العلاقات بين البلدين، قد خرج رسميا إلى العلن، وأنه قد يصل مرحلة القطيعة رغم الهدوء الذي يطبع تعامل سلطات ساحل العاج حتى الآن.
ولا شك أن التحرك الفرنسي المتزامن مع توتر الوضع بين البلدين، قد يزيد من الاحتقان، لأن مالي تتهم فرنسا بتحريك حلفائها في المنطقة ضدها.
وقد جاء التحرك الفرنسي الأخير المتمثل في زيارة وزيرة الخارجية ووزير الدفاع للنيجر، ثم زيارة الأخير لساحل العاج، ضمن إطار التهيئة لإعادة نشر قوة بارخان بعد اكتمال انسحابها من مالي المرتقب في غضون أسابيع.
ومن الواضح أن خارطة إعادة الانتشار العسكري الفرنسي في الساحل، التي سيكشف عنها لاحقا، ستكون النيجر القريبة حدوديا من مالي، في صلبها، لأنها تحتضن قاعدة عسكرية فرنسية، وصوت برلمانها مؤخرا لصالح نشر قوات أجنبية على أرضها، استعدادا لاستقبال بعض قوات بارخان.
كما أن ساحل العاج التي تعتبر حليفا تقليديا لفرنسا، ويوجد على أرضها 950 جنديا فرنسيا، وفتحت بها باريس قبل أزيد من عام “أكاديمية دولية لمحاربة الإرهاب” سيكون لها دور هام في الحضور العسكري الفرنسي بإفريقيا في صيغته الجديدة.
وهذا المعطى لا شك أنه سيعمق هوة الخلاف، وسينتقل على إثره التوتر بين ساحل العاج والنيجر ومالي، إلى توتر بالوكالة عن فرنسا وروسيا في المنطقة.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية