على بعد 9 أشهر من موعد الانتخابات الرئاسية السنغالية، تعيش البلاد على وقع حراك مستمر لأنصار المعارض البارز عثمان سونكو، تذكيه ضبابية موقف الرئيس ماكي سال، الذي يمنحه الدستور ولايتين رئاسيتين، وقد أوشكت الأخيرة منهما على نهايتها.
ويبرز عثمان سونكو الآن كأهم مرشح رئاسي، لكن ترشحه مهدد بعدم القبول قانونيا، فقد حكم عليه في وقت سابق من الشهر الجاري، بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ بتهمة التشهير في قضية رفعها ضده وزير السياحة مامي مباي نيانغ.
والآن يحاكم سونكو بتهمة الاغتصاب، وقد طلب الادعاء العام في آخر جلسة قبل أيام بالحكم عليه 10 سنوات، ما يعني تهديد ترشحه لرئاسيات 2024.
ويقابل سونكو هذا التهديد، بالتهديد بالشارع، فالمعارض الشاب لديه قاعدة جماهيرية واسعة بوأته المركز الثالث في انتخابات 2019 الرئاسية، ومنحته موقعا مهما في تشريعيات 2022، حيث حصل على 56 مقعدا برلمانيا من أصل 165، وبات بذلك حزبه الكتلة الثانية بعد الائتلاف الحاكم.
وقد خرج بالفعل أنصار سونكو في العديد من المظاهرات بزيغنشور التي تشكل منطقة نفوذه التقليدي، وعدد من المناطق الأخرى بينها العاصمة داكار، وتحولت بعض الاحتجاجات إلى أعمال توتر خلفت قتلى وجرحى.
وأمام التهديد بانزلاق البلاد نحو موجة عنف واسعة، خصوصا إذا ما صدر حكم نافذ بالسجن ضد سونكو، فقد سعى ماكي سال إلى امتصاص الغضب جزئيا، فدعا إلى حوار وطني مع مختلف القوى السياسية والمدنية والدينية، وغيرها.
ورغم أن عثمان سونكو وبعض الأطراف الأخرى من أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية وناشطة في المجتمع المدني، يرفض المشاركة بالحوار المزمع تنظيمه في 31 من الشهر الجاري، إلا أنه قد يحمل حلا للأزمة الحالية، خصوصا إذا ما حمل إشارات واضحة بأن الرئيس ماكي سال لن يقدم على تعديل الدستور من أجل الترشح لولاية ثالثة، أو تم تقديم ضمانة بإمكانية ترشح سونكو.
فالمعارضة السنغالية إن توحدت خلف سونكو كمرشح موحد لها في الانتخابات المقبلة قد تفوز بالرئاسة، لأن قوتها في وحدتها، والبرلمان الحالي تتوفر فيه على 80 مقعدا.
كما أن تجربة الرئيس السابق عبد الله واد مع تعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة، كان من نتائجها أن اختار السنغاليون المعارض حينها ماكي سال، وإذا قام الأخير بذات الخطوة، فإن الناخبين السنغاليين قد يختارون غيره، لأنهم على قدر كبير من الوعي، وأصواتهم مسموعة ومؤثرة.
إن السنغال وهي على أعتاب دخول نادي الدول المصدرة للغاز من خلال حقل “أحميم” المشترك مع موريتانيا، بحاجة إلى استقرار سياسي، يعزز المشهد الديمقراطي في البلاد، بما يسهم في جلب المزيد من الاستثمارات الخارجية، ويسمح بتحقيق المزيد من التنمية.
وفي غياب أي تفاهمات سياسية على أساسها يتم رسم معالم خارطة رئاسيات 2024، وإبعاد سونكو عن السباق، فإن السنغال ستدخل أزمة سياسية، يتخللها عنف قد لا يقتصر فقط على العاصمة أو على زيغنشور، وإنما ستتسع رقعته لتشمل عديد المدن الأخرى.
ثم إن أي ترشح لماكي سال سيكون مجازفة، فقد كشفت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة أنه لن يكون خيارا شعبيا إذا عدل الدستور وقرر الترشح، فبالكاد حصل الائتلاف الداعم له على أغلبية مطلقة، بل إنه لم يحصل عليها إلا بعد انضمام أحد النواب خارج المعسكرين الموالي والمعارض، لائتلافه.
لقد كانت تلك النتائج رسالة مباشرة من الشعب بشأن رئاسيات 2024، مفادها أن أي ترشح لماكي سال لن يكون مرحبا به، وأن التغيير هو المطلوب.
فهل يكون الحوار المرتقب إذا بداية مخرج للأزمة التي بدأت بوادرها مبكرا؟ أم أن النقاشات فيه ستتجه نحو قضايا أخرى ويكون بالتالي سقفه واطئا؟
محفوظ ولد السالك
كاتب صحفي متخصص في الشأن الإفريقي