spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

هل يغري الغاز ماكي سال بالبقاء في السلطة؟/ محفوظ السالك

بضعة أسابيع فقط تفصل السنغاليين عن انتخابات تشريعية حاسمة، ستعكس إلى حد كبير ميزان القوى لدى مختلف الأطراف، قبل الاستحقاقات الرئاسية المقررة عام 2024، والتي يفترض أن ينتخب خلالها رئيس جديد لهذا البلد الاستثناء في الغرب الإفريقي، حيث لم يشهد في تاريخه السياسي أي انقلاب عسكري، وبنى على مهل تجربته الديمقراطية الفريدة.
لكن اقتراع 31 يوليو المقبل بما يحمله من أهمية تشريعية ورئاسية، وبما يرتبط به من رسم للسياسات الاقتصادية والتنموية المستقبلية، يثير الكثير من المخاوف بشأن ما سيؤول إليه وضع هذه الدولة المستقرة وسط محيط إقليمي مضطرب.
فقد شكل رفض ملفات ترشح قادة معارضين من طرف المجلس الدستوري غير القابلة قراراته للطعن، رسالة غير مطمئنة من نظام يفترض أنه بصدد الترتيب للخروج من السلطة، والتهيئة لتناوب ديمقراطي، تضع من خلاله السنغال لبنة جديدة لتشييد صرحها الديمقراطي، وتضرب مثلا في احترام المقتضيات الدستورية، في ظل موجة جديدة من الانقلابات العسكرية شهدها الغرب الإفريقي.
فقرار المجلس رفض ملف ترشح عثمان سونكو – من ضمن آخرين – وهو الذي حل ثالثا في انتخابات 2019 الرئاسية بنسبة 15%، ويطمح لخلافة ماكي سال في 2024، لا يفهمه الكثيرون خارج دائرة كونه قرارا سياسيا.
لكن الأخطر من ذلك أن هذا القرار فتح الباب أمام الشكوك بشأن ما إذا كان الرئيس الحالي يرتب للبقاء في السلطة لولاية ثالثة، إذ أن الوضع الطبيعي يفرض عليه أن يكون أكثر انفتاحا على خصومه، وهو على بعد عامين من مغادرة القصر.
غير أن موعد الانتخابات الرئاسية السنغالية ينتظر أن يتزامن، مع بدء البلاد إنتاج الغاز من حقل “أحميم الكبير” المشترك مع موريتانيا، وهو ما قد يعتبر مغر بالنسبة لماكي سال، من أجل إكمال مخططه: “السنغال النامي”.
فضلا عن ذلك، فإن دخول البلاد نادي الدول المصدرة للغاز، سيمنحها مكانة أوسع على الخارطة الدولية، فالحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، أظهرت ضمن تداعياتها المختلفة، كيف أن الغاز يمكن أن يصبح في المستقبل أحد عوامل التموقع على الصعيد الدولي.
ولا شك أن السنغال شهدت في عهد ماكي سال نهضة تنموية كبيرة، خصوصا على مستوى البنية التحتية، فقد أقام الكثير من المشاريع الهامة، وجلب الاستثمارات الأجنبية.
ولكن ذلك لا يجب أن يتنافى مع البناء الديمقراطي، فالبلاد التي ترأس حاليا الاتحاد الإفريقي، وتنشط بقوة ضمن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” ضد الانقلابات العسكرية، حري بها أن تصون مكتسباتها الديمقراطية، وتعزز بناء مؤسساتها، وهو ما لا يمكن أن يتأتى بإقصاء المعارضة.
فالأجدر أن يكون ماكي سال حريصا على حماية الدستور، وإلا فإن تجربة الرئيس السابق عبد الله واد قد تتكرر، فإذا قرر الرئيس الحالي الترشح لولاية ثالثة ونال دعم المحكمة الدستورية، فإن السنغاليين قد يعاقبونه على طريقتهم بانتخاب غيره رئيسا.
والواضح الآن من الأحداث الأخيرة أن نذر التصعيد قائمة بقوة، فالسنغاليون يتعاطون السياسة أكثر من أي شيء آخر، والصوت المعارض له حضور قوي، وقد انعكس ذلك في مناسبات عديدة في ظل حكم الرئيس الحالي.
فحين اعتقل عمدة داكار السابق الخليفة صال – حليف عثمان سونكو حاليا في تحالف يوي أسكان وي ويعني تحرير الشعب – عام 2017، ظلت الشوارع تضج بالاحتجاجات المطالبة بالإفراج عنه، واعتبرت جماهير المعارضة سجنه ومحاكمته قرارا سياسيا، وكان ردها أقوى عندما انتخبته من داخل زنزانته نائبا في البرلمان.
وحين اعتقل عثمان سونكو في مارس 2021 ومثل أمام القضاء بتهمة “الاغتصاب والتهديد بالقتل”، من طرف عاملة في صالون للتجميل بداكار، خرجت المظاهرات في العاصمة وعدد من المدن، وسقط قتلى وجرحى.
والآن تتجدد المظاهرات المناهضة لرفض ملفات ترشح بعض المعارضين، وقد خلفت إحداها قتلى وجرحى، واعتقل خلالها عدد من المعارضين، فما يثير المخاوف أكثر، أن يكون رفض ترشح سونكو في الانتخابات التشريعية، مقدمة لمنع ترشحه للرئاسة، وهو ما لن يقبله الشارع السنغالي، وسيكون باهظ الكلفة، وخطير التداعيات.
محفوظ السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img