منذ بعض الوقت لا يخفي رئيس النيجر محمد بازوم امتعاضه من مجموعة دول الساحل الخمس وقوتها العسكرية المشتركة، وضعف أدائها، ودعا مرات عدة على غرار سلفه محمدو إيسوفو إلى تشكيل تحالف أوسع.
وقد أكد بازوم بشكل صريح بعد إعلان مالي انسحابها من المجموعة التي تأسست عام 2014 بنواكشوط، أن مجموعة الخمس “G5” باتت “ميتة”.
وأمام فشل كل التحركات لإعادة مالي لحضن المجموعة، سواء من طرف موريتانيا البلد المؤسس، أو من طرف تشاد التي تتولى الرئاسة الدورية للمجموعة، أو النيجر المرشحة بقوة لاحتضان القوات الفرنسية المنسحبة من مالي، أو بوركينافاسو، التي تتشابه مع مالي في المسار الانتقالي، باتت ثمة بوادر بشأن إمكانية تشكيل تحالف إقليمي جديد.
ففي 22 أغسطس الماضي، زار وزير الدفاع النيجري القاسم إنداتو بوركينافاسو، وتباحث مع رئيسها الانتقالي، وبعض المسؤولين الحكوميين، وأعلن في ختام الزيارة اعتزام نيامي وواغادوغو تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة أكثر انتظاما واستمرارا.
وكان البلدان قد نفذا قبل ذلك في شهر ابريل من العام الجاري، عملية مشتركة أطلق عليها اسم “تانلي-3” وأسفرت عن مقتل نحو 100 مسلح، بحسب ما أعلنت رئاستا أركان جيشي البلدين.
وبالأمس زار الرئيس الانتقالي لبوركينافاسو بول هنري سانداوغو داميبا، مالي في أول زيارة خارجية له منذ انقلابه على الرئيس روك مارك كريستيان كابوري في يناير 2022، وتباحث مع نظيره عاصيمي غويتا.
وفيما غابت عن مباحثات الطرفين – وفق المعلن على الأقل – وضع مجموعة دول الساحل، وإمكانية عودة مالي لها، اتفق العقيدان الانقلابيان على تعزيز الشراكة العسكرية بين بلديهما، لترقى لمستوى وحجم التحديات الأمنية التي تواجههما.
ويبدو أن بوركينافاسو، تخشى أن تلقى نفس المصير الذي لقيته مالي، التي تشترك معها حدودا بطول 1400 كلم، فيتم منعها من تولي رئاسة مجموعة دول الساحل الخمس، التي تحتفظ بها تشاد، منذ ما قبل مقتل رئيسها السابق إدريس ديبي إتنو شهر ابريل 2021.
وينتظر أن يزور داميبا غدا الاثنين دولة كوت ديفوار التي تحد بلاده من الجنوب الغربي، وتشترك معها في خطر هجمات الجماعات المسلحة – وإن بوتيرة أقل – وسبق لجيشي البلدين أن خاضا معا عمليات عسكرية مشتركة.
وقد لا يمانع الحسن واتارا في الانضمام لتحالف موسع، أو تشكيل تحالف جديد، مقابل ضمان إطلاق سراح الجنود الإيفواريين المعتقلين في مالي منذ العاشر من يوليو الماضي، خصوصا وأن سلطات باماكو أفرجت أمس عن 3 جنديات من هؤلاء الجنود لدواع إنسانية.
ولا تبدو موريتانيا بمعزل عن هذا التحرك، فمالي مدينة لها بالتضامن والتعاطف أيام كانت تخضع لعزلة إقليمية ودولية، بفعل الحصار المفروض عليها من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، والمجتمع الدولي على إثر الانقلابيين اللذين نفذهما جيش البلاد خلال أقل من سنة.
فقد استقبلت نواكشوط وفدا وزاريا ماليا وازنا، عرفانا من باماكو بالدور الذي لعبته موريتانيا من خلال فتح موانئها لها، وعدم إغلاق الحدود معها.
كما استقبلت بالمقابل مالي قبل أيام وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك، للمشاركة في الاجتماع الوزاري الخاص بمتابعة اتفاق الجزائر لحل الأزمة المالية، واليوم بدأ وزير الدفاع المالي ساديو كامارا زيارة عمل لنواكشوط تستمر 3 أيام.
ومع ذلك فإن مالي لم تستجب لدعوة موريتانيا إياها للعودة لمجموعة دول الساحل، التي انسحبت منها منتصف مايو الماضي مغاضبة، إثر عدم السماح لها بترأس المجموعة دوريا، والذي كان مفترضا أن يكون في فبراير 2022.
ويبدو أن مالي متشبثة بقرار عدم العودة لمجموعة الخمس، وهي الآن أقوى من السابق بعد رفع العقوبات الإقليمية عنها، وبالتالي فإنها قد تكون أقرب إلى خيار تشكيل تحالف جديد ثلاثي أو رباعي، أو أكثر من ذلك، أو توسيع تحالف “G5” ليضم أطرافا جديدة، ويتم تغيير اسمه.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية