بعد زهاء 6 أشهر على الاعتقال، وتوتر العلاقة بين باماكو وأبيدجان، أفرج عن الجنود الإيفواريين 46 بعفو من الرئيس الانتقالي المالي عاصيمي غويتا، وعادوا إلى بلادهم.
وقد جاءت خطوة الإفراج عن الجنود، إثر وساطة توغولية مكثفة، وبعد زيارة وفد إيفواري رفيع بقيادة وزير الدفاع تيني إبراهيما واتارا، الأخ الأصغر للرئيس الحسن واتارا، والتوقيع على مذكرة تفاهم بين الطرفين، لم يتم الإعلان عن مضمونها.
وقد سعت مالي – ونجحت في ذلك – إلى إعطاء الأزمة بعدا أوسع، من خلال محاكمة الجنود بتهمة “تقويض الأمن”، وهو ما أطال أمد هذه الأزمة، وفرض دخول أكثر من وسيط على خطها.
ومن الواضح أن التوتر له خلفية مرتبطة بموقف كوت ديفوار المناهض للانقلابين العسكريين الأخيرين في مالي، وما اعتبرته باماكو سعيا حثيثا من أبيدجان وبعض العواصم غرب الإفريقية الأخرى، من أجل فرض عقوبات على السلطة الانتقالية المالية، لثني غويتا ورفاقه عن التغيير غير الدستوري في البلاد.
وقد فاقمت من الأزمة بين الطرفين والتي ظلت صامتة لبعض الوقت، المكالمة الهاتفية التي سربت في فبراير 2022 بين الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، والوزير الأول المالي الأسبق بوبو سيسي.
في تلك المكالمة البالغة مدتها نحو 5 دقائق تحدث سيسي – المطلوب من طرف العدالة المالية – عن صعوبة الوضع الاقتصادي والمالي، في مالي جراء العقوبات المفروضة عليها من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”.
وراهن واتارا في تلك المكالمة المفترضة، على عجز مالي في غضون أشهر عن تسديد رواتب الموظفين، ووصف حكام البلاد الجدد ب”السذاجة والجهل”.
وانطلاقا من تلك المكالمة المسربة، والتي أعلنت العدالة المالية فتح تحقيق بشأنها – لكنها لم تعلن نتائجه – بدأ التوتر بين الطرفين يخرج من مرحلة الصمت إلى العلن، خصوصا بعد رفض سلطات كوت ديفوار تسليم بعض الشخصيات المالية المعارضة للانقلابيين في مالي.
وعلى إثر ذلك ظلت السلطة الانتقالية المالية، تتحين الفرصة لترد على كوت ديفوار بشكل مختلف، فجاءت قضية الجنود لتكون المدخل المناسب بالنسبة لها.
وقد بادرت السلطات المالية إلى اعتقال 49 جنديا إيفواريا وصلوا البلاد في العاشر من يوليو الماضي، واصفة إياهم بأنهم مرتزقة قدموا بعتادهم العسكري دون استئذان، وهو ما تنفيه كوت ديفوار التي ظلت تصر على أن جنودها كانوا في مهمة أممية اعتيادية، وأن مالي على علم مسبق بذلك.
ويحسب لسلطات أبيدجان أنها ظلت منذ تاريخ اعتقال الجنود في مالي، إلى تاريخ الإفراج عنهم يوم أمس، متماسكة حيث يصدر عنها أي سلوك أو ردة فعل خارج على النهج الدبلوماسي.
وقد ظلت كوت ديفوار تراهن على طول النفس وعلى المسار الدبلوماسي خيارا، ونجحت في جعل “إيكواس” تتبنى قضية جنودها وتمسك بالملف، وتبعث الوسطاء إلى باماكو، وعندما ماطلت الأخيرة، وأعطت للقضية بعدا قضائيا، فحكمت عدالتها على 46 من الجنود بالسجن 20 عاما، وغرامة مليوني أورو، وعلى ثلاث جنديات أخريات – أطلق سراحهن في وقت سابق – بالإعدام غيابيا، مع 10 ملايين أورو كغرامة، أشهرت “سيدياو” سلاح العقوبات في وجه سلطات البلاد.
والعقوبات سلاح فتاك، سبق لمالي أن عانت منه لأشهر، لذلك فإنها لم ترغب في أن تؤتى من ذات الجحر مرتين، وبالتالي آثرت الإفراج عن الجنود بطريقتها الخاصة، فتجاوزت أولا المهلة المحددة من طرف “سيدياو” حتى لا تكون راضخة أمام تهديدها بشكل مباشر على الأقل، وحين قررت إطلاق سراح الجنود كان ذلك بعفو رئاسي، والرئيس في البلاد هو رئيس للمجلس الأعلى للقضاء.
وقد استفادت مالي على إثر الإفراج عن الجنود، من أنها تجنبت عقوبات محيطها غرب الإفريقي، وفتحت صفحة جديدة للتعاون مع جارتها الجنوبية.
أما كوت ديفوار فقد أعطت مثالا على دور الدبلوماسية في حل الأزمات، وكسب رئيسها واتارا شعبية داخلية وإقليمية أوسع، تماما كما كسبت التوغو تموقعا هاما في غرب القارة، على صعيد التوسط في الأزمات.
محفوظ ولد السالك: كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية