spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

غانا.. الشعب يريد إسقاط النظام

في تطور لافت لتداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها دولة غانا، خرج المئات أمس بالعاصمة أكرا في احتجاجات تطالب الرئيس نانا أكوفو أدو بالتنحي عن السلطة، متهمينه بالعجز عن مجابهة المشاكل التي تعانيها البلاد.
فلأول مرة منذ أزيد من 20 سنة، تجاوزت نسبة التضخم في الأسعار نسبة 37% شهر سبتمبر الماضي، وسجلت عملة البلاد “السيدي” انخفاضا حادا مقابل الدولار بلغ أكثر من 40%، وهو ما جعلها تصنف كواحدة من أسوأ العملات أداء في المنطقة التي تعاني من تداعيات التباطؤ الاقتصادي العالمي.
كما ارتفعت ديون غانا إلى 78.3% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية يونيو الماضي، بعد أن كانت في حدود 62.5% قبل 5 سنوات.
وبطبيعة الحال فإن جزءا كبيرا من هذه الأزمات التي تعيشها غانا المنتجة للذهب والكاكاو والنفط، مرده تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي باغتت العالم وهو لم يسترجع بعد الأنفاس من وقع جائحة كوفيد -19 وتداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية.
وهو ما ألجأ نظام الرئيس المحامي ورجل القانون نانا أكوفو أدو، إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.
ويشكل اللجوء إلى الاقتراض من هذه المؤسسة المالية الدولية، نكوصا للرئيس نانا الذي تعهد في وقت سابق، بأن نظامه لن يسعى لإبرام برنامج مالي مع صندوق النقد الدولي.
وهذا ما جعل الاحتجاجات الشعبية ترفع شعار رفض الاقتراض من الصندوق الدولي، وتطالب الرئيس الذي تنتهي ولايته الرئاسية الثانية في العام 2024، بالاستقالة، وفتح الباب أمام غيره من أجل مجابهة أقوى لأزمات البلاد التي كانت تعرف ب”ساحل الذهب”، قبل استقلالها في مارس 1957، بعد أن أمضت 6 عقود تحت نير الاستعمار البريطاني.
ويبدو نانا حتى الآن متشبثا بإكمال ولايته الديمقراطية، ويعتبر الاقتراض من صندوق النقد الدولي، كفيلا بحل الأزمة الاقتصادية، كما يعول على تولي بلاده الشهر الجاري رئاسة مجلس الأمن الدولي، من أجل السعي في حلحلة مشكل الإمداد بالحبوب، الذي عمق معاناة حوالي ربع الغانيين، كانوا في الأصل يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم بحسب البنك الدولي.
ورغم أن هذا الحلول قد تأخذ وقتا، ولا تعد بالتالي مستعجلة، فإن كسب الوقت ليس في صالح النظام، خصوصا إذا ما توسعت دائرة رفض سياساته نحو مدن الداخل، واستغلت المعارضة ذلك من أجل التصعيد ضد أكوفو أدو.
وحده العسكر لا يحتمل أن يتدخل، كما حصل في بعض دول القارة، فغانا تعد مثالا ديمقراطيا في المنطقة، والرؤساء فيها يختارون فقط عبر صناديق الاقتراع، لكن مدى القدرة على الصمود، وحسن تدبير الأزمات سيشكل رهانا أمام الرئيس المنحدر من أسرة تمتهن السياسة، ويعد والده واحدا من مؤسسي الدولة.
وهكذا، فإن خريج الجامعات البريطانية والغانية، ودارس
الفلسفة والعلوم السياسية والاقتصاد، سيكون بحاجة إلى تقديم حلول لغلاء المعيشة، والتضخم، وتدهور العملة، وارتفاع المديونية، من أجل إسكات غضب المحتجين ضد نظامه، وتقديم مثال آخر على الاستثناء الغاني بغرب إفريقيا.
ففضلا عن الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد – رغم اضطراب محيطها الإقليمي – فإنها لم تستسلم أيضا للتنافس الفرنسي الروسي المحموم حاليا في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.
وقد أعلن أكوفو أدو في مقابلة له قبل أزيد من أسبوعين، أن لا فرق كبيرا بين الطرفين المتنافسين، وأنه لا الفرنسيون ولا الروس سيشكلون بديلا حقيقيا للأفارقة، وأن الأجدر بإفريقيا “التخلص من متلازمة التبعية”.
ولكن هل سيكون نانا أكوفو أدو، قادرا على النجاة من متلازمة: الشعب يريد إسقاط النظام؟ فحالات من نجوا في المنطقة كانت نادرة جدا.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img