spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

رسائل الهجوم على “كاتي” مصنع الانقلابات في مالي/ محفوظ ولد السالك

منذ فترة طويلة نسبيا لم تصل هجمات الجماعات المسلحة العاصمة المالية، أما حامية “كاتي” الواقعة ضاحية باماكو، فلم تستهدف قط، وظلت في مأمن منذ سقوط بعض مدن الشمال بأيدي المسلحين، إيذانا ببدء الاضطراب الأمني في البلاد عام 2012.
لكن ما لم يستطعه المسلحون على مدى عقد من الصراع المتواصل، تمكنوا منه قبل أيام قليلة، حيث استهدف هجوم انتحاري قاعدة “كاتي”، التي يوجد بها مقر إقامة الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا ووزير دفاعه ساديو كامارا، وبعض كبار المسؤولين العسكريين.
وقد وقع هذا الهجوم بعد نحو 24 ساعة من سلسلة هجمات أخرى متزامنة، استهدفت عددا من المدن المالية، بعضها يبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة.
وتبنت كل هذه الهجمات جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” التي يقودها إياد أغ غالي، مهددة بالمزيد من الهجمات، ومتوعدة بالأسوأ.
وينطوي استهداف “كاتي” التي تعد مصنعا للانقلابات في مالي، وأكثر أماكن البلاد تحصينا وتأمينا، على عدة رسائل، أولاها سرعة تغلغل جماعة “نصرة الإسلام” وقدرتها على الوصول إلى مركز القرار، مع بقاء تهديدها لمدن الشمال والوسط قائما، وهذا ينبئ برقعة اتساع الخطر، وبأن القادم قد يكون أكثر خطورة.
أما ثاني الرسائل، فهي خسارة الرهان على “فاغنر” كبديل عن “بارخان”، وتأكيد جماعة إياد أغ غالي استهدافها من خلال الإشارة في بيان التبني إلى “شراء المرتزقة”، سيرفع خلال الفترة المقبلة من وتيرة الهجمات ضد عناصر هذه المجموعة الذين يقدرون بالمئات.
وقد تستفيد “نصرة الإسلام” على مستوى المعلومات على الأقل، من عنصر “فاغنر” الذي كانت خطفته في وقت سابق، من أجل تركيز هجماتها ضد المجموعة، وإلحاق الخسائر بها.
وتتجلى الرسالة الثالثة من استهداف “كاتي”، في أن الخطر الأمني عابر لكل الأنظمة المتعاقبة، وأن الرهان الشعبي على العسكريين من أجل تحقيق ما عجز عنه المدنيون هو رهان غير صائب، لأن الأمر يرتبط بالقدرات العسكرية، والموارد المالية، فضلا عن التكوين والتدريب.
وهو ما لن يكون بمقدور غويتا ورفاقه تحقيقه خلال المتبقي من الفترة الانتقالية، بسبب الصراعات الإقليمية والدولية التي أدخلوا فيها البلاد، في وقت تحتاج فيه مالي إلى توسيع نطاق الشراكات وتنويعها.
وهكذا دخلت البلاد في صراع مع فرنسا وحلفائها الأوروبيين، انسحبت على إثره قوتا “بارخان” و”تاكوبا”، واستبدلتهما سلطات باماكو ب”فاغنر” الروسية، في وقت كان بالإمكان الاستفادة من روسيا وغيرها، دون خسارة فرنسا وحلفائها.
وتوسعت دائرة خلافات السلطات الانتقالية المالية، لتصل إلى الحلفاء الإقليميين للبلاد، حيث قررت باماكو الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس وقوتها العسكرية، وتوترت علاقاتها مع سلطات أبيدجان، وبسبب ذلك توترت علاقات مالي أيضا مع الأمم المتحدة.
وقد أذكى هجوم “كاتي” تبادل الاتهامات واستغلال الفرص لتسجيل النقاط، فمالي تتهم ضمنيا فرنسا بالوقوف وراء ما حصل، وفرنسا تعتبر ما حصل مؤشرا على أهمية الدور الذي كانت تقوم به، وتعتبره انتصارا، تماما كما اعتبرت في وقت سابق جماعة “نصرة الإسلام” انسحاب فرنسا، انتصارا لها.
ولعل السياق العام الذي تمر به علاقات مالي مع المحيطين الإقليمي والدولي، يعزز بطريقة غير مباشرة تمدد جماعة إياد أغ غالي، ويؤكد حاجة باماكو إلى دعم إقليمي ودولي أوسع، في ظل تسارع التحرك الفرنسي لتطويق تحرك الجماعات المسلحة في المنطقة، من خلال للتوجه نحو إعادة نشر “بارخان” ببعض بلدان الساحل والغرب الإفريقي، خصوصا النيجر المجاورة لمالي.
وينضاف إلى سياق العلاقات الإقليمية والدولية المضطربة، سياق محلي آخر ستسابق السلطات المالية الزمن من أجل كسب رهانه، ويتعلق الأمر بالأجندة الانتخابية، فالبلاد ملزمة بإجراء انتخابات تشريعية ومحلية ورئاسية واستفتاء دستوري في أجل أقصاه فبراير 2024.
وهذا بعد آخر كذلك ستستغل الجماعات المسلحة الانشغال الداخلي به، من أجل التغلغل والانتشار خصوصا في العاصمة باماكو، ما لم يحدث تحول جذري وسريع على مستوى قدرات جيش البلاد وجاهزيته، يتم من خلاله على الأقل إبعاد الخطر عن العاصمة.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img