اختتم قبل أيام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جولة إفريقية جديدة، قادته إلى كل من مالي وموريتانيا والسودان، في مؤشر على تزايد اهتمام روسيا بالقارة الإفريقية، ومنافسة القوى الغربية عليها.
وفي مختلف محطات زيارته، لم يخل خطاب رئيس دبلوماسية موسكو من نبرة حادة تجاه الغرب ووسمه ب”المستعمر”، وتحذير إفريقيا من التعاون والتحالف معه، وهو خطاب يحظى باهتمام واسع في منطقة الساحل، المنتفضة شعوب بعض بلدانها ضد الوجود الفرنسي.
ويتضح من خلال زيارة لافروف لأول مرة إلى مالي وموريتانيا – وهو الذي يتولى منصب وزير الخارجية منذ العام 2004 – أن روسيا تركز بشكل كبير على الساحل وغرب إفريقيا، لملاحقة فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية.
ولم يخف سيرغي جانبا من ذلك، حين أعلن من باماكو أن بلاده ماضية في الدعم العسكري لمالي، وأنها ستقدم مساعدات لغينيا وبوركينافاسو وتشاد ومنطقة الساحل بشكل عام، وكذا الدول المطلة على خليج غينيا، من أجل أن تتغلب على التحديات الأمنية التي تواجهها.
فالبلدان المذكورة بالإسم في تصريح لافروف، كانت مستعمرات سابقة لفرنسا، وماتزال باريس تحافظ على حضور ببعضها، خصوصا تشاد وغينيا كوناكري بالإضافة للنيجر ودول أخرى.
ومن الواضح أن إضافة لافروف لبلدان الساحل، الدول المطلة على خليج غينيا – الغني بالغاز والذي يعاني من انتشار القرصنة، وتتجه الجماعات المسلحة للتوسع نحوه – تنطوي على مسعى لقطع الطريق أمام فرنسا التي لا تخفي اهتمامها بالبلدان المطلة على هذا الخليج.
ومقابل جولة لافروف لم تقف فرنسا- المرتقب أن تكشف بعد أشهر عن استراتيجيتها العسكرية تجاه إفريقيا – متفرجة،
فبالتوازي مع هذه الجولة الأخيرة، التي تأتي أسابيع بعد جولة أخرى، قادت وزير الخارجية الروسي إلى إريتريا وأنغولا، واسواتيني وجنوب إفريقيا، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا بقصر الإيليزي كلا من الرئيس الإيفواري الحسن واتارا، والسنغالي ماكي سال، وتشادي محمد إدريس ديبي.
وتعكس هذه الخطوة مساعي باريس لتحصين ما تبقى من مناطق نفوذها التقليدية، أمام تزايد الزحف الروسي الساعي لطرد فرنسا.
وفي خضم التنافس بين الطرفين الخفي منه والعلني، تظل موريتانيا بوابة رئيسية نحو المنطقة، وتعزيز أي طرف لعلاقته معها يمنحه مكسبا إضافيا، وهو ما يحاول الطرف الروسي عدم تفويت فرصته.
فمن خلال زيارة لافروف، ومباحثاته مع الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حول عدة ملفات اقتصادية وأمنية إقليمية، ودعوته إياه للمشاركة في القمة الروسية الإفريقية الثانية المقررة بعد أشهر، والإعلان عن عقد منتدى أعمال موريتاني روسي على هامشها، يتضح أن روسيا واعية بمحورية موريتانيا في المنطقة.
وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن فرنسا غير مدركة لدور موريتانيا، وإن اتسمت علاقات الطرفين بمستوى ملحوظ من البرود، منذ أرادت نواكشوط عدم التناغم مع رغبة باريس التضييق على باماكو، إبان الحصار المفروض عليها من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” على إثر انقلابي غويتا ورفاقه على الرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، والرئيس الانتقالي باه نداو.
ولا شك أن فرنسا تدرك جيدا أن مالي لم تعد ضمن نطاق نفوذها، وأن بوركينافاسو في الطريق نحو ذلك، وأن دولا أخرى ينتظر أن تلتحق بالركب، ولذلك فإنها تسعى للتركيز على تشاد والنيجر، إضافة لبنين والتوغو، البلدين اللذين لا يستبعد أن تنشر بهما باريس قوات عسكرية لاحقا.
أما التنافس خارج منطقة الغرب الإفريقي، وتحديدا على السودان التي اختتم منها لافروف جولته، فمن الواضح أن فرنسا سعت لتعزيز الاهتمام بالبلاد منذ فترة، من ضمن مؤشرات ذلك احتضان باريس في مايو 2021 قمة حول التحول الديمقراطي في السودان، وإعلانها شطب ديونها على الخرطوم المقدرة ب5 مليارات دولار.
وبالمقابل تدعم روسيا رفع العقوبات وحظر الأسلحة المفروضين على السودان من طرف مجلس الأمن الدولي، خلال النزاع الدامي في إقليم دارفور عام 2005، فضلا عن وجود تعاون عسكري بين موسكو والخرطوم.
ويعكس كل ما سبق، أن التنافس الروسي الفرنسي، والروسي الغربي بشكل عام، ماض في التصاعد بالقارة، وأن بلدان إفريقيا لا تبدو موحدة التوجه إزاءه، حيث يطغى الاصطفاف مع طرف دون آخر على توجهات أغلبها.