احتجاجا على السياسات الاقتصادية لرئيس البلاد، تظاهر قبل أيام آلاف الشباب الكينيين في العاصمة نيروبي، وفي عدد من كبريات المدن، ودعوا لإضراب وطني في ال25 يونيو الجاري، من أجل فرض النظام على التراجع عن الضرائب التي يتضمنها مشروع قانون المالية الجديد، المقرر أن يصوت عليه البرلمان يوم الأحد المقبل على أبعد تقدير.
ومحاولة لامتصاص غضبهم، أعلن الرئيس وليام روتو استعداده للحوار مع المنتفضين ضد نظامه، والذين يعتبرون أن الضرائب الجديدة من شأنها إثقال كاهل الكينيين، حيث يعيش ثلث السكان تحت خط الفقر.
وكانت الرئاسة الكينية قد أعلنت في وقت سابق وتحت ضغط الاحتجاج المتصاعدة وتيرته، عن تعديل مشروع قانون المالية، لإلغاء ضريبة القيمة المضافة المقترحة بنسبة 16% على الخبز وعلى نقل السكر والخدمات المالية، وعمليات صرف العملات، بالإضافة إلى الضريبة على السيارات بنسبة 2,5%.
كما تم كذلك إلغاء ضرائب أخرى من مشروع الموازنة، ومنها ضرائب على الدفع عبر الهاتف المحمول، وضرائب على الزيوت النباتية، فيما حذرت وزارة الخزانة الكينية من عجز مالي يناهز 1,5 مليار دولار بسبب إلغاء تلك الرسوم.
لكن الشباب الكيني المدفوع من قوى المعارضة ومن فئات اجتماعية عريضة، لا يريد سوى إلغاء كافة الضرائب الجديدة التي يتضمنها مشروع القانون الجديد، ونظام روتو لا يريد إلغاء كل شيء، حيث يعتبر فرض الضرائب الجديدة أمرا ضروريا للدولة المثقلة بالديون.
وأمام الإرادتين المتباينتين، يواصل الشباب تصعيد احتجاجه في كل مرة، وتلغي الدولة بعض الضرائب في كل مناسبة، في مناورة يبدو أن كلفتها الإنسانية ستكون باهظة، فقد قتل الخميس الماضي شخصان، وجرح العشرات، فيما تتحدث منظمة العفو الدولية عن 200 جريح، وعن توقيف العشرات.
وكان قانون مالية العام الماضي قد فرض ضريبة إسكان بنسبة 1,5% على إجمالي دخل الأفراد الذين يتقاضون رواتب، كما ضاعف ضريبة القيمة المضافة على المنتجات البترولية من 8% إلى 16%.
لكن السياق الحالي يختلف في نظر رافضي الضرائب الجديدة، فقد سجلت كينيا تضخما على أساس سنوي بلغ 5,1% في مايو الماضي، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 6,2% والوقود بنسبة 7,8% بحسب أرقام صادرة عن البنك المركزي الكيني، ما يعني في نظرهم
أن إضافة ضرائب جديدة، خطوة من شأنها أن تزيد أعباء الحياة على السكان بشكل غير قابل للتحمل.
ويشكل الاختيار بين فرض ضرائب مجحفة في حق الكثير من الكينيين، لكنها تخفف من اللجوء إلى الاقتراض والمديونية، وبين تلبية رغبة المحتجين، الذين يمكن أن تتوسع مطالبهم، وتتسع دائرة الملتفين حولهم، رهانا وتحديا أمام نظام رجل الأعمال الثري وليام روتو، الذي لم يكمل بعد عامين في المنصب.
وقد بدأت التعبئة ضد الضرائب من على منصات التواصل الاجتماعي، وتضمن جزء منها نشر أرقام هواتف نواب البرلمان لكي يتمكن المواطنون من الاتصال بهم ودعوتهم لعدم التصويت على الموازنة.
ثم خرجت التعبئة لاحقا من الفضاء الافتراضي نحو الواقع، وكان البرلمان أولى الوجهات، حيث احتج أمامه المئات في مناسبات عدة، حاملين لافتات كتب عليها “لا تفرضوا علينا الضرائب”.
وكان وليام روتو قد تعهد للكينيين بمساعدة الطبقة العاملة الفقيرة في البلاد، ويعتبر المحتجون ضده الآن، أنه لم يكتف فقط بعدم الوفاء بتعهداته، وإنما بات يتجه للقيام بعكسها وبشكل مباشر.
لكن روتو يرى في خطوته انسجاما مع مطالب المؤسسات المالية الدولية، فقد سبق أن حث صندوق النقد الدولي كينيا التي تعاني من ضائقة مالية خانقة، على زيادة الإيرادات في ميزانيتها للعام 2024-2025 قصد خفض الاقتراض.
ورغم أن روتو يتمتع بأغلبية في البرلمان الحالي، إلا أن عددا من المشرعين المتحالفين مع ائتلافه أبدوا تحفظات على مشروع القانون، ما يعني احتمال عدم نيله ثقة البرلمان، وهذا يجعل الخيارات أمام الرئيس محدودة بشكل كبير.