spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

تشريعيات غينيا بيساو.. انتصار ديمقراطي ورسائل شعبية

في خطوة غير مألوفة كثيرا في القارة الإفريقية، اعترف الرئيس البيساو غيني عمارو سيسوكو إمبالو بخسارته في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وفوز المعارضة التي حصدت 54 مقعدا من أصل 102 هي عدد مقاعد برلمان المستعمرة البرتغالية السابقة.

وقال سيسوكو إمبالو، الذي يرأس دوريا المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، إن حزبه “ماديم ج15” تمت معاقبته من طرف الشعب الغيني، حيث لم يحرز سوى 29 مقعدا، في هزيمة مدوية، كان لإدارة الأزمة الصحية المرتبطة بجائحة كوفيد -19، والغذائية المرتبطة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، دور بارز فيها.
ولم يقتصر سيسوكو على الاعتراف بالهزيمة، وإنما بادر إلى إعلان اختيار رئيس الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر الفائز في الانتخابات دومينغوس سيموس بيريرا رئيسا للحكومة، متراجعا بذلك عن تعهد سابق له بعدم تعيينه إطلاقا.

وتعكس نتائج حزب سيسوكو في الانتخابات التشريعية، رفضا شعبيا كبيرا له، سبقه رفض عسكري تجلى في محاولة الانقلاب عليه خلال العام 2022، ما يعني أنه إذا رغب في ولاية ثانية، فإنه لن ينتخب في الغالب.
كما أن الأزمة السياسية التي على أساسها حل الرئيس البرلمان في مايو 2022، قد لا تكون الانتخابات الحالية الطريق إلى حلها، فالرئيس لن يكون بمقدوره تمرير المشاريع والسياسات، لأنه لا يملك أغلبية، ورئيس وزرائه معارض له.

ومع ذلك، فإن عمارو سيسوكو وضع لبنة مهمة في الحياة الديمقراطية للبلد الصغير الواقع بغرب القارة الإفريقية، الذي يناهز عدد سكانه مليوني نسمة، ويعاني من عدم الاستقرار السياسي، منذ استقلاله عن البرتغال عام 1974.
فقد عرفت البلاد على مدى زهاء نصف قرن من الاستقلال 4 انقلابات عسكرية ناجحة، وأكثر من 10 محاولات انقلاب فاشلة، لكنها عرفت منذ 2014 مسارا ديمقراطيا تشكل الانتخابات الأخيرة استمرارا له.

ففي 18 مايو 2014 فاز جوزي ماريو في الجولة الثانية من الانتخابات على حساب نونو غوميز نبيام، الذي كان مدعوما من قبل الجيش، وتميز جوزي بأنه الرئيس الوحيد لغينيا بيساو الذي أكمل ولايته الرئاسية 5 سنوات دون أن تتم الإطاحة به.

لكن ولايته الرئاسية عرفت بالمقابل الكثير من الأزمات والصراعات السياسية، وكان ذلك السبب الأبرز لعدم إعادة انتخابه في 2019، حيث اختار البيساو غينيون عمارو سيسوكو إمبالو في الجولة الثانية على حساب رئيس وزرائه الجديد دومينغوس بريرا.

ويبدو أن سيسوكو المنتخب ديمقراطيا آثر الخيار الديمقراطي، وتعاطى بسرعة وفعالية مع خيارات الناخبين ورسائلهم، لكنه سيكون مطالبا أكثر فيما تبقى من ولايته الحالية التي تنتهي العام المقبل، أن يدير العملية السياسية بحنكة وتبصر يجنبانه الدخول في أزمة سياسية وشعبية، فتاريخ البلاد وبعض البلدان المشابهة بالمنطقة، يقول إنه إذا التقت الإرادتان الشعبية والعسكرية، أو السياسية والعسكرية، فإن ذلك يعني حصول انقلاب، الأمر الذي يجب السعي لتجنبه، حتى تعزز غينيا بيساو تجربتها الديمقراطية.

ويبدو من خلال نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، أن الحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر، قد يكون خيار الناخبين في رئاسيات 2024، بعد أن وصل الدور الثاني في انتخابات 2019، خصوصا إذا نجح في خلق تعايش مع نظام الرئيس سيسوكو، وأدار ما تبقى من الولاية الحالية دون حصول أزمات، ونجح من خلال رئاسة الحكومة في ملامسة أولويات الغينيين، والعمل على حلحلة القضايا الأكثر إلحاحا وانتظارا من ناخبيه.

وإذا فشل الحزب في تحقيق ذلك، فإن الغينيين سيختارون غيره، وبهذا تكون انتخابات الرابع من يونيو قد بعثت برسائل إلى الرئيس سيسوكو ونظامه، والحزب الإفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر ورئيسه، وانطلاقا مما سيترتب على استقبال تلك الرسائل، ستتضح خارطة الرئاسيات المقبلة.

محفوظ ولد السالك
كاتب ومتخصص في الشأن الإفريقي

spot_img