في موقف مفاجئ أعلنت تشاد قبل أيام إنهاء اتفاق التعاون الدفاعي والأمني الذي ظل يربطها بفرنسا منذ العام 1966، أي بعد 6 سنوات من استقلال نجامينا عن باريس، وبموجبه تنشر الأخيرة قوات عسكرية في البلاد.
ويبدو أن الاتفاق الذي عدل عام 2019 في عهد الرئيس تشادي السابق الراحل إدريس ديبي إتنو، لم يعد يستجيب لطموح وانتظار نجله محمد ديبي إتنو الذي تولى الرئاسة لفترة انتقالية بعد إعلان مقتله في ساحة المعركة ضد متمردين تشاديين عام 2021، قبل أن ينتخب رئيسا في مايو 2024.
ويأتي قرار تشاد الجديد في سياق داخلي وإقليمي موسوم بمناهضة الوجود العسكري الفرنسي، فعلى الصعيد الداخلي كانت تشاد قد شهدت في وقت سابق مظاهرات شعبية تطالب برحيل القوات الفرنسية، لكن الجنرال الشاب محمد ديبي كان حينها بحاجة لوقوف فرنسا إلى جانبه إبان توليه السلطة فيما يشبه انقلابا، أو وراثة للحكم على الأقل في ظل نظام جمهوري، لذلك لم يتعاط إيجابيا مع الأصوات الشعبية، بل على العكس من ذلك عمد نظامه إلى قمع المتظاهرين المطالبين برحيل فرنسا، واعتقل العديد منهم.
لكن ديبي الإبن ظل يوسع شراكات بلاده، فانفتح على تعزيز العلاقة مع روسيا، وزارها أواخر يناير 2024، وتباحث مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول التعاون في عدة ملفات بينها الأمن.
كما استقبل محمد ديبي في يونيو الماضي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي حل بنجامينا في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 6 عقود، في خطوة اعتبرت جادة نحو إنضاج التحاق تشاد بركب حلفاء روسيا بمنطقة الساحل.
وقبل هذه الزيارة، كانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت أواخر مايو أن قواتها نفذت عملية عسكرية مشتركة مع الجيش تشادي، مكنت من تحرير 21 عسكريا تشاديا كانوا رهائن لدى متمردين بجمهورية إفريقيا الوسطى منذ أكثر من 9 أشهر، رغم إعلان حركة “أسود الصحراء والجبال” أن عملية الإفراج تمت طواعية.
ولم يتوقف انفتاح تشاد في عهد الجنرال ديبي على روسيا فقط، وإنما شمل كذلك دولة المجر التي زارها سبتمبر الماضي، واتفق مع رئيس وزرائها فيكتور أوربان على نشر 200 جندي مجري في بلاده لتدريب القوات تشادية ضد الجماعات المسلحة.
ويعكس توجه تشاد نحو الشراكة مع روسيا والمجر، تغيرا واضحا في موقف ديبي الإبن تجاه العلاقات مع فرنسا، وجاء الهجوم الذي نفذته جماعة بوكو حرام على قاعدة عسكرية في بحيرة تشاد أواخر اكتوبر الماضي، وأسفر عن مقتل 40 جنديا تشاديا، ليشكل بداية نهاية الشراكة العسكرية تشادية الفرنسية.
وإذا كانت تشاد لم تعلن مباشرة أن هذا هو سبب إنهاء الشراكة، فإن محمد ديبي أكد في مؤتمر صحفي أن الاتفاق العسكري مع فرنسا “لا يحمل أي قيمة مضافة حقيقية”، كما تحدث عن أن الأمر يتعلق بقرار “سيادي درس بعناية” وأن هدفه “إعادة تأكيد استقلال البلاد والاستجابة لتطلعات الشعب تشادي”.
وقد سبق هذا التصريح تلويح لمحمد ديبي بانسحاب بلاده كذلك من القوات المشتركة ضد بوكو حرام، التي تجمع تشاد والنيجر، ونيجيريا، والكاميرون، وبنين، معتبرا أن لا جدوائية من البقاء فيها مادام الجيش تشادي يواجه هذه الجماعة المسلحة منفردا.
وإذا كان الموقف تشادي بإنهاء اتفاق التعاون العسكري مع فرنسا، يعد امتدادا للخطوات التي اتخذتها مالي والنيجر وبوركينا فاسو بإلغاء الاتفاقيات العسكرية التي كانت تربطها بباريس، وطرد القوات العسكرية الفرنسية من أراضيها، وإنهاء جميع أشكال التعاون مع المستعمر السابق، معلنة بذلك عن قطيعة نهائية معه، فإن تشاد اقتصرت على القطيعة العسكرية فقط، وأعلنت عن استعدادها لتعزيز التعاون في المجالات الأخرى.
ويبدو أن الطريقة تشادية في تبني القطيعة الجزئية مع فرنسا، هي ذاتها التي تتبناها السنغال، فقد أعلن الرئيس بصيرو ديوماي فاي في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية قبل أيام، أن “فرنسا ستضطر إلى إغلاق قواعدها العسكرية في السنغال”، لأن وجودها يتعارض مع سيادة بلاده.
وأكد فاي أن على فرنسا التفكير في إقامة “شراكة مجردة من الوجود العسكري”، مشيرا في نفس الوقت إلى أن باريس “تظل شريكا مهما للسنغال من ناحية الاستثمارات ووجود الشركات الفرنسية، وحتى المواطنين الفرنسيين”.
ويؤشر الموقفان تشادي والسنغالي، على أن القوات الفرنسية ستنسحب قريبا من البلدين، لكنهما سيظلان منفتحين على تعزيز الشراكة والتعاون مع فرنسا خصوصا في المجالين الاقتصادي والتجاري.