spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

“بيرقدار” دبلوماسية المسيَّرات التركية في إفريقيا

“بيرقدار” دبلوماسية المسيَّرات التركية في إفريقيا

قبل أيام قليلة تسلمت مالي طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار TB2” تركية الصنع، وذلك بعد أشهر على زيارة وزير الدفاع المالي ساديو كامارا أنقره، وإبرامه صفقة للتزود بهذه الطائرات، من أجل تحديث سلاح البلاد الجوي والعسكري عموما، في مواجهة الجماعات المسلحة، التي تخوض حربا ضدها منذ 10 سنوات.
ولا تبدو مالي الوحيدة بالمنطقة، التي اقتنت “بيرقدار تي بي تو”، فقبل أشهر حصلت النيجر والتوغو على شحنات من هذه الطائرات المسيرة، ولا يستبعد أن تحصل عليها كذلك لاحقا بوركينافاسو، كما طلبت أنغولا وأثيوبيا التزود بها.
ويعكس هذا الإقبال المتزايد على المسيرات التركية من طرف دول القارة الإفريقية، بعدان أساسيان أحدهما الحضور المتنامي لتركيا بإفريقيا، فمن أصل 12 سفارة بالقارة قبل حوالي عقدين، باتت لدى البلاد اليوم 43 سفارة في إفريقيا، وتجاوز حجم التبادل التجاري بين الطرفين 25.3 مليار دولار سنة 2020.
أما البعد الثاني فهو أن ثمن هذه الطائرات رخيص، وهذا يفسر عدم لجوء دول المنطقة إلى فرنسا من أجل الحصول على طائرات مسيرة، خصوصا وأن قواعدها العسكرية في بلدان المنطقة كالنيجر وبوركينافاسو ومالي – قبل انسحاب بارخان منها في أغسطس 2022 – توجد بها طائرات بدون طيار.
لكن جانبا آخر مهما يجب استحضاره ضمن عوامل تزايد الإقبال على “بيرقدار”، وهو أن أوكرانيا اعتمدت لبعض الوقت على هذا الطراز من الطائرات في مواجهة الحرب الروسية،
التي اندلعت فبراير الماضي، قبل أن تتزود البلاد لاحقا بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ من الغرب.
كما أثبت هذا السلاح التركي أيضا فعاليته في مساعدة أذربيجان على هزيمة القوات الأرمينية، واستعادة مساحات واسعة من الأراضي في حرب ناغورني كاراباخ عام 2020.
كل ذلك حفز دول القارة الإفريقية على الإقبال على هذه الطائرات، وباتت على إثره “بيرقدار” – نسبة إلى الرئيس التنفيذي لشركة بيكار المنتجة للطائرات، وهو خلوق بيرقدار، وشقيقه كبير مسؤولي التكنولوجيا بالشركة سلجوق بيرقدار – عنوانا للدبلوماسية التركية في إفريقيا.
وبطبيعة الحال لا يمكن إخراج الحضور العسكري التركي المتنامي في إفريقيا، عن سياق التنافس الدولي على القارة من هذه البوابة، ففرنسا حاضرة عسكريا هناك، وإن انسحبت قواتها من مالي وإفريقيا الوسطى، وينتظر أن تكشف في غضون أشهر عن خطتها بشأن نشر قوات عسكرية في بلدان إفريقية أخرى.
والولايات المتحدة الأمريكية التي احتضنت عاصمتها واشنطن مؤخرا قمة أمريكية إفريقية، حاضرة عسكريا من خلال القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا “أفريكوم” التي تم الإعلان عن إنشائها قبل زهاء عقد ونصف.
أما الصين التي تعد المستثمر الأول في القارة الإفريقية، وتسعى الولايات المتحدة إلى منافستها هناك، فتوجد لديها قاعدة عسكرية في جيبوتي، بلغت تكلفة بنائها 590 مليون دولار.
وتعد الصين سابع دولة لها وجود عسكري في جيبوتي، كما تعتبر بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام المورد الثاني للأسلحة في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بعد روسيا، والمورد الثالث لشمال إفريقيا بعد روسيا والولايات المتحدة.
وتسعى روسيا مؤخرا – عبر المجال العسكري – إلى تعزيز حضورها في غرب إفريقيا الذي يعد تقليديا منطقة نفوذ فرنسية، وقد تجلى ذلك بشكل كبير في مالي، وتتجه موسكو الآن للتغلغل في بوركينافاسو.
وفي هذا السياق التنافسي الدولي إذا عبر البوابة العسكرية، وجدت تركيا لنفسها منفذا جديدا نحو القارة، لتعزز من خلاله علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع بلدان إفريقيا، والتي لم يكن في السابق البعد العسكري أحد مرتكزاتها.
لكن السؤال الأهم بالنسبة لإفريقيا والأفارقة، هو ما إذا كانت “بيرقدار” ستصنع الفرق في الحرب ضد الجماعات المسلحة؟ أم أنها لن تختلف عن الأسلحة الفرنسية والروسية والصينية، وغيرها؟.
محفوظ ولد السالك كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img