spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

بوركينافاسو ومساعي إحياء الاتحاد الفدرالي مع “السودان الفرنسي”

خلال زيارته الأخيرة لمالي، اقترح رئيس وزراء بوركينافاسو أبولينير يواكيم كييليم دي تيمبيلا على السلطات الانتقالية المالية تشكيل اتحاد فدرالي، يضم البلدين يكون “مرنا ويمكن أن ينمو بشكل أقوى ويحترم تطلعات” الطرفين.
واستحضر أبولينير يواكيم، وهو محام ورئيس مركز للدراسات وأستاذ جامعي، حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة نيس الفرنسية، الاتحاد الفدرالي التاريخي الذي تشكل في نهاية الحقبة الاستعمارية الفرنسية لبعض دول غرب إفريقيا، والذي لم يعمر سوى بضعة أشهر.

ويتضح من هذا المقترح، أن مؤلف كتاب “توماس سانكارا والثورة في بوركينافاسو – تجربة تنمية ذاتية”، وهو في الأصل أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه، ينطلق من معطى تاريخي متعلق بمساعي التوحد في وجه الاستعمار الفرنسي، ومعطى حاضر يريد – رسميا وشعبيا – القطيعة مع ما يشبه “استعمارا” جديدا للمستعمرات الفرنسية السابقة، خصوصا الدول التي تنشر بها فرنسا اليوم قوات عسكرية.
ولعل فشل الاتحاد الفدرالي السابق سريعا، ما جعل السلطات المالية تتحفظ من خلال الاكتفاء بالصمت، على مقترح أبولينير يواكيم.

وتفيد بعض الدراسات المهتمة بغرب إفريقيا، بأنه في 17 يناير من عام 1959 وبعد عدة اجتماعات في العاصمة باماكو، اتفق “اتحاديو” كل من “داهومي” سابقا المعروفة حاليا ببنين، وبوركينافاسو المعروفة حينها ب”فولتا العليا”، ومالي التي كان يطلق عليها قبل الاستقلال “السودان الفرنسي”، والسنغال، على تشكيل اتحاد فدرالي، هدفه “توحيد المصير المشترك”، في مواجهة الاستعمار الفرنسي، والرغبة في التحرر من هيمنته.
ولكن “داهومي” و”فولتا العليا” لم تصدقا على الاتفاق لاحقا داخل “برلمان الدول الفدرالية”، وذلك بضغط من فيليكس هوفويت بوانيي، أب استقلال دولة ساحل العاج، الذي كان مناهضا بشدة لفكرة الفدرالية.
وبات الاتحاد بالتالي مقتصرا على السنغال و”السودان الفرنسي”، ولكنه لم يدم طويلا حيث تفكك بعد أزيد من 7 أشهر، وباتت كل دولة مستقلة عن الأخرى، بعدما كان المالي موديبو كيتا يرأس الحكومة الفدرالية، وينوبه السنغالي مامادو ديا، وكان السياسي والأديب السنغالي ليوبولد سيدار سنغور يرأس البرلمان الفدرالي.
لقد عصفت الخلافات بهذا الاتحاد الفدرالي، ولعبت فرنسا دورا كبيرا في ذلك، إذ كانت ترى بأن وجود اتحاد فدرالي من شأنه أن يجعل مستعمراتها السابقة كيانات مستقلة بذاتها وفي غنى عنها، وبالتالي سعت للعمل على إجهاضه، وقد كان لها ما أرادت.

اليوم وبعد أكثر من 6 عقود، تقترح بوركينافاسو تشكيل اتحاد فدرالي مع مالي، من منطلق أن البلدين يشتركان في ذات التحدي المتعلق بتهديد الجماعات المسلحة، والفقر، وهشاشة التنمية، ورفض استمرار الوجود العسكري الفرنسي، وبالتالي التطلع لإعادة تأسيس الدولتين على أسس مختلفة.
وقد تسعى واغادوغو لاحقا لتوسيع نطاق الاتحاد الذي تصبو إليه، ليشمل بنين التي تحدها من الشمال الشرقي، والتي باتت مهددة من طرف الجماعات المسلحة، وزارها قبل أشهر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة اعتبرت محاولة للتهيئة لنشر قوات فرنسية فيها.

ولكن مدى الاستجابة لفكرة الاتحاد الفدرالي، الذي يراد منه أن يكون إطارا مناهضا لفرنسا، ستشكل تحديا، فالبلدان التي طلبت رسميا مغادرة القوات الفرنسية عن أراضيها حتى الآن هي مالي وبوركينافاسو، وباماكو لم تتفاعل بعد بشكل حاسم مع المقترح.

لكن إذا ما حذت دول أخرى في المنطقة حذو مالي وبوركينافاسو، فإن الفكرة قد تتبلور على نحو أوسع، وقد تصبح مطلبا رسميا لدى بعض بلدان غرب إفريقيا، خصوصا إذا تعزز الحضور الروسي أكثر، وضغطت موسكو باتجاه أن تشكل الدول المتحالفة معها قطيعة مع فرنسا.

وبغض النظر عن كل ما سبق، فإن النخب المدنية المتوقع أن تفرزها الانتخابات القادمة في بلدان غرب إفريقيا التي تحكمها الآن أنظمة عسكرية انتقالية، قد تكون لها حسابات مختلفة بشأن العلاقات مع فرنسا، وبالتالي يبقى الاتحاد مجرد فكرة.

محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img