على خطى مالي، التي شهدت انقلابين في غضون نحو 9 أشهر، عرفت الجارة الجنوبية بوركينافاسو قبل أيام ثاني انقلاب عسكري لها خلال 8 أشهر، رافعة بذلك رصيدها إلى 8 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فيما بلغ العدد في مالي 5 انقلابات، منذ نفس تاريخ الاستقلال عن ذات المستعمر.
لكن حالة التماهي في الانقلابات بين البلدين الجارين الحبيسين، لا تتوقف عند هذا الحد فحسب، فالانقلاب الثاني في مالي خلال أقل من سنة، تم على عسكري متقاعد، وانقلاب بوركينافاسو تم على عسكري حالي.
وتتسع حالة التشابه بين الدولتين لتشمل الظرف والسياق، فالبلدان يشهدان هجمات مسلحة منذ سنوات، جعلت شمال ووسط مالي خارج السيطرة – إلى حد كبير – ونسبة 40% من أراضي بوركينافاسو، لا سيطرة لسلطات البلاد عليها.
ومنذ صعد عقيد مالي عاصيمي غويتا ورفاقه ضد فرنسا، وجعل من الخصومة معها تحت شعار رفض أي استعمار جديد، أو استمرار الماضي الاستعماري، سياسة لتعزيز رصيده الشعبي الداخلي، بعد أن تآكل إثر العجز عن تحقيق الأمن والاستقرار، واستفحال الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، جراء فرض عقوبات على البلاد من طرف “سيدياو”، واستقوى على القطيعة مع فرنسا بالتحالف مع روسيا، أصبحت شعوب منطقة الساحل تنظر بإعجاب للتجربة المالية.
هذا الإعجاب تجسد في المظاهرات الواسعة التي تخرج من حين لآخر في النيجر، وفي بوركينافاسو، وتشاد، وهو ما أحس به قادة دول المنطقة، خصوصا التي تعيش مراحل انتقالية، فكانت باماكو أول وجهة خارجية لرئيسي بوركينافاسو، وغينيا كوناكري منذ انقلابيهما على روك مارك كريستيان كابوري، وألفا كوندي، أما الرئيس تشادي، فأوفد مبعوثين مرات متتالية إلى باماكو.
وقد نجح حكام مالي في الترويج بأن وجود الجماعات المسلحة في المنطقة مرتبط بالحضور العسكري الفرنسي فيها، وأن روسيا تعتبر بديلا جادا يمكن التحالف معه والاستفادة منه عسكريا، خصوصا بعد تلقي باماكو مساعدات عسكرية من موسكو شملت أسلحة وعتادا حربيا.
والحقيقة أن التهديد الأمني عابر للوجود الروسي والفرنسي، وسيظل قائما في وجودهما أو غيابهما، ما لم تتحقق تنمية اقتصادية واجتماعية كبيرة، ويتم بناء الجيوش من حيث التكوين والجاهزية والموارد، وتتعزز الحكامة والديمقراطية…
وشكل إصرار مالي على الاستمرار في تعميق القطيعة مع فرنسا، خصوصا بعد الخطاب الأخير لرئيس حكومتها عبد الله مايغا أمام الأمم المتحدة، محفزا لصغار الضباط في بوركينافاسو للانقلاب على بول هنري سانداوغو داميبا، الذي ينظر إليه كعسكري فرنسي الهوى والمصالح، تماما كما كان غويتا ورفاقه ينظرون إلى الرئيس الانتقالي باه نداو ومن قبله الرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا.
وقد تجلى البعد التنافسي بين روسيا وفرنسا، في انقلاب بوركينافاسو بشكل كبير، حيث اتهم الانقلابيون للوهلة الأولى العقيد المخلوع سانداوغو داميبا، باللجوء إلى قاعدة عسكرية فرنسية في البلاد، من أجل التخطيط لهجوم مضاد، يستعيد به السلطة، وبرروا ذلك بأنه يأتي ردا على رغبتهم القوية في التوجه نحو شركاء آخرين مستعدين لمساعدتهم “في مكافحة الإرهاب “، في إشارة واضحة إلى روسيا.
وقد سارعت فرنسا عبر سفارتها في واغادوغو، ووزارة خارجيتها إلى نفي وجود داميبا بالسفارة أو القاعدة العسكرية، كما نفت أي ضلوع لباريس في تطورات الأحداث في البلاد.
ومباشرة بعد صدور اتهام الجيش لفرنسا بتأمين داميبا، خرج متظاهرون موالون للنقيب إبراهيم تراوري، واستهدفوا السفارة الفرنسية بواغادوغو، والمعهد الفرنسي في مدينة بوبو ديولاسو، قبل أن ينفي داميبا في تدوينة على “فيسبوك” وجوده بالسفارة أو القاعدة الفرنسية.
وفي تطور لافت دعا الانقلابيون اليوم في بيان رسمي إلى تجنب أي أعمال عنف ضد سفارة فرنسا وقاعدتها العسكرية، ليعلن بعدها بساعات داميبا عن موافقته على الاستقالة.
ويبدو من خلال هذا السيناريو أن الانقلابيين ربما أصبحوا على اتصال مع فرنسا، وبهذا تكسب باريس جولة – حتى الآن – بعد خسارتها في باماكو أمام موسكو، في انتظار ما سترسو عليه تطورات الأوضاع المتقلبة في بلاد “الرجال المستقيمين”.
محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية