spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

النيجر.. حليف الغرب وشريك روسيا والصين

شيئا فشيئا تبرز دولة النيجر كحليف استراتيجي للغرب في مجال محاربة الجماعات المسلحة بمنطقة الساحل، وقد تكثفت الجهود في هذا الإطار منذ انسحاب القوات الفرنسية من مالي، ولاحقا من بوركينافاسو.

وشكل إعلان السلطات النيجرية قبل أيام “استعادة” الصحفي الفرنسي أوليفييه دوبوا المختطف بمالي منذ حوالي سنتين، والأمريكي العامل في المجال الإنساني جيفري وودكي المختطف بالنيجر منذ أزيد من 6 سنوات، أبرز مؤشر على ذلك.

ورغم أن ظروف الإفراج عن الصحافي الفرنسي الذي كان مختطفا من طرف جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” المتمركز نشاطها بشكل رئيسي في مالي، والناشط الأمريكي الذي تبنت في البدء حركة “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا” مسؤولية اختطافه، قبل أن يتبناه كذلك “تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” عام 2017، تظل مجهولة حيث لا يتم الإعلان عادة بشكل رسمي عن تفاصيل ما يحصل، إلا أن من الواضح أن النيجر لعبت دور الوسيط والمفاوض للجماعات المسلحة.

ولعل الرئيس النيجري محمد بازوم استفاد من خبرة وتجربة مستشاره الموريتاني المصطفى ولد الإمام الشافعي، الذي يعد واحدا من كبار العارفين بشؤون إفريقيا وصاحب علاقات واسعة داخل القارة وخارجها.
وسبق أن نجح في قيادة مفاوضات مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للإفراج عن رهائن إسبانيين اختطفوا عام 2009 في موريتانيا.

كما سبق لولد الشافعي أن شغل منصب مستشار لعدد من الرؤساء الأفارقة بينهم الرئيس النيجري السابق محمدو إيسوفو، ورئيس بوركينافاسو الأسبق بليز كومباوري، والرئيس الإيفواري الحالي الحسن واتارا.
ويعكس دور وساطة النيجر المفترض في جانب آخر منه، نجاعة مسار الحوار الذي تبناه الرئيس بازوم مع الجماعات المسلحة، والذي أثمر تراجع مئات النيجريين عن حمل السلاح.
وقبل الإفراج عن الرهينتين بأيام، زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن النيجر، وبات بذلك أول مسؤول أمريكي رفيع يزور البلاد التي توجد بها قاعدة أمريكية، وقتل على أراضيها قرب الحدود مع مالي، جنود أمريكيون عام 2017.

كما استقبل بازوم في نيامي قبل زيارة بلينكن، قائد أركان جيوش فرنسا الجنرال تيري بورخاد، وقبل ذلك كان رئيس النيجر قد زار فرنسا وتباحث مع نظيره إيمانويل ماكرون.

وتبدو النيجر – عكس جارتيها مالي وبوركينافاسو – براغماتية في شراكاتها الدولية، وتتبنى تعدد الشركاء منذ البدء، فشراكتها التقليدية مع فرنسا، والتي بموجبها تتزود الأخيرة بنحو 35% من احتياجاتها من الطاقة النووية، لم تمنعها من توقيع اتفاق مع روسيا عام 2019، يقضي بتزويدها بـ12 طائرة هجومية من طراز Mi-35.
وسبق لنيامي وموسكو أن وقعتا في أغسطس 2017 اتفاق تعاون عسكري، بموجبه يتعاون الجانبان في الحرب ضد الجماعات المسلحة.

وفي عام 2019 قبل انتهاء ولايته الرئاسية والأخيرة، زار رئيس النيجر السابق محمد إيسوفو الصين، واتفق مع نظيره شي جينبينغ على أن التعاون بين نيامي وبيكين “سيترجم من خلال البنى التحتية، وتنمية الطاقة، والزراعة، والصحة”.
وتبدو النيجر واعية بأهميتها كشريك استراتيجي للغرب، ولكنها تسعى لذات الشراكة الاستراتيجية مع أطراف دولية أخرى في مجالات عسكرية واقتصادية مختلفة.

فالبلاد تعد الرابعة عالميا في إنتاج اليورانيوم، وتقدر احتياطاتها من النفط بـ320 مليون برميل، وتنتج منه يوميا نحو 20 ألف برميل، كما أنها منتجة للذهب كذلك.

ولا شك أن هذه المعطيات كلها قد تؤهلها لتعزيز الشراكة مع عديد الأطراف الدولية، لكن التحدي يكمن في مدى قدرتها على الجمع بين مختلف هؤلاء الشركاء المتشاكسين، وعلى الاستفادة بشكل أكبر، إذا أن من المفارقة أن تكون البلاد التي تتوفر على كل هذه المقدرات، تعاني من انتشار واسع للفقر والهشاشة.

محفوظ ولد السالك: كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img