spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

الكونغو ورواندا.. رواسب الماضي تذكي التوتر في الحاضر

على نحو متسارع، يتصاعد التوتر بين الكونغو الديمقراطية ورواندا، البلدين الجارين اللذين شهدت علاقاتهما تاريخيا، من فصول الحرب، أكثر مما عرفت من مسارات السلم.
في الحاضر، وبعد هدوء نسبي بين كينشاسا وكيغالي، منذ انتخاب الرئيس الكونغولي الحالي فيليكس تشيسيكيدي عام 2019، خيم التوتر مجددا خلال الأسابيع الأخيرة.
وقد وصل هذا التوتر الذي تؤججه رواسب الماضي المتشنج، حد تبادل القصف لمناطق حدودية بين البلدين، فيما أسر الجيش الكونغولي جنديين روانديين، وأوقفت سلطات البلدين الرحلات الجوية بينهما، واستدعت كل منهما سفير الأخرى لديها، ضمن فصول متوالية تنذر بخطر حرب قد لا تقتصر على الدولتين، قياسا على ما حصل في الماضي.
وتعود الأسباب المباشرة لتجدد الصراع، إلى اتهام الكونغو لرواندا بدعم حركة “23 مارس”، وهي حركة من عرقية التوتسي، وتعد واحدة من ضمن أزيد من 120 جماعة مسلحة تنشط في الشرق الكونغولي الغني بالموارد النفيسة.
وجاء هذا الاتهام الذي تنفيه رواندا بشدة، بعد اندلاع معارك طاحنة مؤخرا بين القوات الكونغولية وحركة “23 مارس”، على عدة جبهات في إقليم شمال كيفو المضطرب والقريب من الحدود مع رواندا.
وسرعان ما تطور الخلاف من الاتهام ونفيه، إلى تبادل للقصف، دون إعطاء فرصة للآليات الدبلوماسية، سبيلا إلى تجنب تكرار مآسي الماضي، وهو ما حدا بالاتحاد الإفريقي إلى انتداب الرئيس الأنغولي جواو لورينسو وسيطا في الأزمة، كما تكثفت الدعوات الأممية والدولية والإقليمية، إلى التفاوض والحوار، قبل خروج الوضع عن السيطرة.
ولعل ما يعزز المخاوف من دخول البلدين في حرب، هو كون العلاقات بينهما متوترة منذ الإبادة الجماعية التي عرفتها رواندا عام 1994، وخلفت مقتل أزيد من 800 ألف شخص من أقلية التوتسي، وقدوم أعداد كبيرة من الهوتو الروانديين المتهمين بارتكاب تلك المجزرة إلى الكونغو الديمقراطية.
وقد بلغ التوتر أوجه خلال الفترة ما بين 1996 و2003، والتي شهدت ما عرف بحربي الكونغو الأولى والثانية، وهما الحربان اللتان تورطت فيهما 5 من دول الجوار الكونغولي.
فقد عمدت رواندا وأوغندا إلى تسليح المتمردين الكونغوليين قصد الزحف نحو كينشاسا للإطاحة بالرئيس الأسبق الراحل موبوتو سيسيكو سنة 1996، وذلك بعدما يئست كيغالي من قدرته على إخراج المسلحين الهوتو الروانديين من شرق البلاد.
وبعد مغادرة موبوتو السلطة وخروجه البلاد مكرها، تولى لوران ديزيري كابيلا رئاسة الكونغو التي حول اسمها من “زائير” إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأمام عدم قدرة كابيلا على إبعاد مسلحي الهوتو الروانديين، لجأ إلى التحالف معهم، فتحالفت رواندا مع أوغندا ضده، وغزت المنطقة عام 1998 للقضاء على هؤلاء المتمردين.
وبالمقابل استعان كابيلا بقوات من أنغولا وزيمبابوي وناميبيا، واستمرت الحرب إلى غاية 2003 – مخلفة قتلى قدر عددهم بمئات الآلاف – لكن دون تمكن أي طرف من حسم المعركة لصالحه، وإن تمكن كابيلا من البقاء في السلطة، قبل أن يغتاله أحد حراسه عام 2001.
وبعد اغتيال كابيلا الأب، تولى نجله جوزيف السلطة، وتمكن بدعم دولي وإقليمي من توقيع اتفاقيات سلام سنة 2003، انتهت بمقتضاها الحرب، وسحبت دول الجوار قواتها من البلاد.
وقد حاول الطرفان الكونغولي والرواندي تجاوز التوتر بينهما، من خلال عقد أول لقاء جمع رئيسي البلدين في أغسطس 2009 بمنطقة غوما بالشرق الكونغولي، بعد جفاء عمر أكثر من 10 سنوات.
واتفق الرئيسان على إعادة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين،
لكن التوتر ظل يطل برأسه من حين لآخر، وتبادلت كينشاسا وكيغالي الاتهامات مرات عدة، في مؤشر على هشاشة الاتفاق، ولعل بوادر التوتر القائمة الآن أكبر دليل على تحكم رواسب الماضي في حاضر ومستقبل علاقات البلدين.
محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img