لم يكن مفاجئا قرار سلطات بوركينافاسو، مطالبة القوات الفرنسية بمغادرة البلاد في غضون شهر، فقد توالت مؤخرا عديد المؤشرات الدالة على ذلك، بعد ما اتضح للمجلس العسكري الانتقالي الحاكم في واغادوغو فشل الرهان على الجمع بين الشريكين المتشاكسين فرنسا وروسيا.
أول هذه المؤشرات، تمثلت في دعوة وزارة خارجية بوركينافاسو نظيرتها الفرنسية مؤخرا إلى تغيير سفيرها بواغادوغو لوك هالاد، الذي أثار استياء السلطات البوركينية، إثر تحذيره مواطني بلده المقيمين ببعض مدن الداخل البوركيني من تدهور الوضع الأمني في البلاد.
وقد اتضح أن باريس لم تتجاوب مع ذلك، رغم إيفادها خريسولا زخاروبولو نائبة وزيرة خارجيتها للتباحث مع سلطات بوركينافاسو، وإعلان الأخيرة في تصريح صحفي اتفاق سلطات البلدين على التعاطي مع هذا المطلب بطريقة “جيدة ودبلوماسية”، كما وصفتها.
وقبل الاحتجاج على السفير، رحلت بوركينافاسو فرنسيين اثنين كانا يعملان لدى جهة تعمل لصالح شركة الاتصالات متعددة الجنسيات “نوكيا”، بتهمة “التجسس”.
كما أوقفت سلطات بوركينافاسو أيضا بث إذاعة فرنسا الدولية في البلاد شهر دجمبر الماضي، مبررة ذلك ببثها تقارير وصفتها ب”الكاذبة”، وب”إعطاء صوت” لمن وصفتهم ب”المتشددين”.
كل هذه الخطوات المتوالية، كانت تشي بأن قرارا حاسما تجاه العلاقات مع فرنسا، منتظرا اتخاذه من طرف سلطات بوركينافاسو، وكان إعلان الرئيس الغاني نانا أكوفو أدو على هامش القمة الأمريكية الإفريقية المنعقدة مؤخرا بواشنطن، عن توقيع واغادوغو اتفاقا مع مجموعة “فاغنر” الروسية، من أجل نشر قوات تابعة لها في البلاد، وحديثه عن تخصيصها منجما للذهب بالجنوب مقابل خدماتها، أبرز تأكيد على أن كل الخطوات السابقة كانت تمهيدية، وأن لحظة الحسم لم تحن بعد.
وقد احتجت بوركينافاسو على التصريح، واستدعت سفير أكرا لديها، وسفيرها لدى غانا للتشاور، لكنها لم تنف حصول اتفاق بينها و”فاغنر”، خصوصا وأن رئيس وزرائها أبولينير كيليم دي تمبيلا كان في زيارة حينها لموسكو.
لكن العامل الرئيسي الذي دفع النقيب إبرهيم تراوري – الذي أعلن قبل أيام أمام طلاب جامعيين أن النضال من أجل السيادة بدأ، وأنه منتظر في غضون أيام اتخاذ خطوة بهذا الاتجاه – إلى تعليق الاتفاق العسكري مع فرنسا، والذي بموجبه يوجد لديها نحو 400 جندي في البلاد، هو تصاعد الهجمات المسلحة، ودخولها مرحلة جديدة تمثلت في اختطاف عشرات النساء لأول مرة في تاريخ البلاد.
فتصاعد الهجمات المسلحة يعد محرجا للنقيب الشاب، ويؤشر على فشله في تحقيق ما تعهد به لمواطنيه، لدى انقلابه قبل أشهر على العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، وبالتالي وجد نفسه مجبرا على الاستجابة للطلب الشعبي بطرد القوات الفرنسية، لأن احتقان الوضع ليس في صالح نظامه، لا شعبيا ولا عسكريا.
وبهذه الخطوة يكون النقيب إبراهيم تراوري قد آثر تقفي خطى العقيد المالي عاصيمي غويتا، الذي كانت بلاده أول وجهة خارجية له بعد انقلابه العسكري، فالعسكريان الشابان يدركان أن تحالف الجماعات المسلحة والإرادة الشعبية – ولو بطريقة غير مباشرة – مؤذن بانتهاء أي نظام هش كما هو الحال في بلديهما وبعض دول المنطقة.
وقد حفز بوركينافاسو على اتخاذ قرارها طرد القوات الفرنسية، توالي تقديم روسيا مساعدات عسكرية لمالي، والتي شملت آخرها قبل أيام 8 طائرات حربية ومروحيتين.
وبغض النظر عن تفاصيل سياق ودواعي قرار بوركينافاسو الجديد، فإنه يؤكد أن الخناق بدأ يضيق على فرنسا في منطقة نفوذها التقليدية، كما أن من شأنه كذلك تشجيع دول أخرى على اتخاذ خطوات مماثلة، خصوصا البلدان التي تعاني من خطر تنامي الجماعات المسلحة.
ففي النيجر وتشاد، تتجدد الدعوات الشعبية من حين لآخر بطرد القوات الفرنسية، ورغم أن المؤشرات العامة حتى الآن لا تفيد بأن البلدين قد يحذوان حذو مالي وبوركينافاسو، إلا أن الاحتمال يبقى قائما.
وبالمقابل فإن فرنسا بالتأكيد لن تقف مكتوفة الأيدي، فالرئيس إيمانويل ماكرون المرتقب أن يستقبل في الإليزي بعد أيام الرئيس الإيفواري الحسن واتارا – وهو أحد حلفاء فرنسا الكبار بالمنطقة – ينتظر أن يكشف عن استراتيجية فرنسا العسكرية تجاه إفريقيا في غضون أشهر، ولا شك أنها ستأخذ في الاعتبار هذا الانحسار الفرنسي الكبير بالساحل وغرب إفريقيا.
محفوظ ولد السالك: كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية