spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

الانسحاب الثلاثي من سيدياو.. إفلات من العقاب وتنظيم الانتخابات

أخيرا قررت مالي وبوركينا فاسو والنيجر الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، بعد انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس.

وقد برر قادة الدول الثلاث التي تحكمها مجالس عسكرية، بعد انقلاب 2020 في مالي، و2022 في بوركينا فاسو، و2023 في النيجر، هذا الانسحاب بكون المجموعة غرب الإفريقية لم تقدم المساعدة لبلدانهم في “معركتها الوجودية ضد الإرهاب وانعدام الأمن”.
واتهم بيان مشترك صادر عن العقيد المالي عاصيمي غويتا، والنقيب البوركيني إبراهيم تراوري، والجنرال النيجري عبد الرحمن تياني، سيدياو ب”خيانة مبادئها التأسيسية، تحت تأثير قوى أجنبية”، وبأنها “باتت تشكل تهديدا لدولها الأعضاء وشعوبها”.

واعتبر القادة العسكريون الثلاثة أنه “وبعد 49 عاما من الوجود، تلاحظ شعوب بوركينا ومالي والنيجر الباسلة بأسف شديد ومرارة وخيبة أمل كبيرة، أن منظمتها ابتعدت عن مثل آبائها المؤسسين، والوحدة الإفريقية”.
ولكن الحقيقة التي لم يذكرها البيان المشترك، أن القادة الانقلابيين يريدون الإفلات من العقاب، والابتعاد عن أي منظمة يمكن أن تضغط عليهم من أجل تسليم السلطة للمدنيين، بعدما اغتصبوها بالقوة، لأسباب فشلوا حتى الآن فيها.

إن الدافع الأساسي للانسحاب من هذه المنظمة الإقليمية الجادة التي تأسست عام 1975، هو الانفراد بالسلطة والبقاء فيها لفترة أطول، تحت ذريعة استعادة السيادة، وتأمين كامل الأراضي.

فبالنسبة لمالي، أجل العسكريون الذين يتولون السلطة منذ نحو 4 سنوات بقيادة العقيد عاصيمي غويتا، موعد الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، بعدما حددوا فبراير 2024 موعدا لتنظيمها.

وفي بوركينا فاسو، أعلن النقيب إبراهيم تراوري بعد توليه السلطة في 30 سبتمبر 2022، أنه سيفي بالالتزامات التي قطعها سلفه العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، أمام سيدياو بإجراء انتخابات في صيف 2024.
لكن نظامه بات مع اقتراب الموعد، يؤكد أن القتال ضد الجماعات المسلحة هو الأولوية، وأن الانتخابات ليست أولوية، وهذا يعني عمليا أنها لن تجرى في موعدها، وأن لا موعد لها في المنظور القريب.

وعلى غرار مالي وبوركينا فاسو، يتحدث عسكريو النيجر، الذين أطاحوا بالرئيس المدني محمد بازوم نهاية يوليو 2023، عن 3 سنوات كفترة للبقاء في السلطة، أما الانتخابات
وموعد تنظيمها، وتسليم السلطة للمدنيين، فلا ذكر لها حتى الآن.

وبالتالي، فإن خطوة الانسحاب واضح أن الهدف منها البقاء في السلطة دون أي عامل ضغط خارجي، رغم أن كلفة القرار باهظة، لأن سيدياو قد تتخذ إجراءات بشأن إغلاق الفضاء غرب الإفريقي اقتصاديا وتجاريا أمام هذه الدول، ما سيعمق أزماتها الاقتصادية، خصوصا بالنسبة للنيجر التي تخضع لعقوبات قاسية منذ 6 أشهر.

وبالمقابل ثمة حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها، وهي أن سيدياو تعاملت بازدواجية معايير إزاء الانقلابات العسكرية، ففي الوقت الذي فرضت فيه عقوبات اقتصادية قاسية على مالي والنيجر مع تعليق عضويتيهما، فإنها اكتفت بتعليق عضوية بوركينا فاسو، دون فرض عقوبات عليها، وكانت إجراءاتها مخففة على غينيا كوناكري كذلك.

ولا شك أن هذا التباين أفقد المنظمة مستوى من المصداقية، انضاف إلى عدم جدوائية العقوبات أصلا، إذا لم تسهم في تراجع أي عسكريين عن انقلابهم في أي من الدول الأربع، وهذا يعني فشلا ذريعا.

ولعل هذا الانسحاب يكون سببا لإجراء مراجعة داخلية حقيقية للمنظمة وقراراتها، حتى لا تستسهل باقي دولها الأعضاء الانقلابات العسكرية، وحتى لا تتفكك أيضا مع الوقت، فخطوة الانسحاب الثلاثية هذه، لا يستبعد أن تحذو حذوها غينيا كوناكري.

وهذا سيجعل المنظمة أمام معضلة جديدة، فإما أن تطبع مع الانقلابات، أو أن تنسحب بلدان الانقلابيين منها، وهو أمر يرجع إلى عدم الحسم في الموقف المبدئي من الانقلابات، فأيام كانت المنظمة تتدخل عسكريا لإعادة الرؤساء المدنيين لأحكامهم لم يكن الأمر مطروحا قط.

 

spot_img