في إطار السعي لتنويع شراكاتها الخارجية، أعلنت سلطات بوركينافاسو الانتقالية قبل أيام استئناف العلاقات مع كوريا الشمالية، بعد أن كانت معلقة منذ العام 2017، في خطوة تثير التساؤل حول ما إذا كان هذا الإجراء سيشكل بداية جديدة لعودة بيونغ يانغ إلى القارة الإفريقية، بعد انحسار حضورها القاري على غرار العالمي، بسبب العقوبات الدولية على خلفية التجارب النووية.
وإذا كانت بوركينافاسو وكوريا الشمالية، لا تحتفظان عمليا بعلاقات رسمية منذ عام 1983، فإن اعتماد واغادوغو شاي هوي شول كسفير لبيونغ يانغ لديها مقيم في داكار، يعتبر خطوة هامة نحو فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الطرفين.
فمن الواضح أن بوركينافاسو تسعى للاستفادة من المعدات العسكرية الكورية، خصوصا بعد انسحاب القوات الفرنسية من أراضيها، وسعيها لإيجاد حلفاء جدد، يبدو أن روسيا في مقدمتهم، والآن كوريا في طريقها لأن تكون حليفا لها كذلك، والشريكان الروسي والكوري، أسهمت الحرب الروسية الأوكرانية في خلق تقارب كبير بينهما، لا يستبعد أن يصل لاحقا لما كانت عليه علاقاتهما خلال الحرب الباردة.
كما أن كوريا الشمالية التي فرضت عليها عقوبات أممية منذ تجربتها النووية الأولى عام 2006، قبل أن يتوالى صدور العقوبات ضدها، وإن لم يثنها ذلك عن إجراء تجارب نووية مختلفة، يهمها كثيرا تعزيز العلاقات مع إفريقيا، لكي تشكل متنفسا لها في وجه الحصار الذي تتعرض له، وقد تستفيد في ذلك من حضور حليفيها الروسي والصيني بالقارة.
وقد بررت خارجية بوركينافاسو في بيان لها، إحياء العلاقات مع كوريا الشمالية، بأنه سيتيح “إقامة شراكة متميزة في ميادين مختلفة، كالأمن، وذلك عبر تمكين البلاد من الحصول على أسلحة ومعدات عسكرية، وفي مجالات المعادن والصحة والزراعة”.
وتحدثت بعض الأوساط في واغادوغو أن الزعيم الكوري كيم جونغ أون، قد يؤدي زيارة رسمية لبوركينافاسو تكون الأولى له إلى بلد إفريقي.
ويشكل تكثيف السفارات الكورية في إفريقيا نشاطاتها الدبلوماسية خلال الأشهر الأخيرة، مؤشرا على توجيه البلاد بوصلتها نحو القارة الإفريقية، التي كانت تربطها علاقات جيدة بعدد من بلدانها.
وتقدر قيمة التبادلات التجارية بين الشريكين الإفريقي والكوري، بحوالي 200 مليون دولار سنويا، أما أهم قطاعات التعاون فهي المناجم والصيد البحري والتسلح.
وقد تأثرت العلاقات الكورية الإفريقية بالعقوبات الأممية على بيونغ يانغ، التي كانت لديها مبادلات مع أكثر من نصف دول إفريقيا، لكن ذلك الحضور تراجع بشكل كبير عام 2017.
وقد شكل المجال العسكري المدخل الرئيسي لكوريا الشمالية نحو تعزيز العلاقات مع إفريقيا، خصوصا دول إريتريا، والكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، وأنغولا، وأوغندا، وناميبيا، والسودان.
فمعظم هذه الدول وغيرها، تزودت بأسلحة عسكرية كورية، واستفادت من تدريب بعض عناصر جيوشها على أيدي كوريين، فضلا عن تشييد كوريا مصانع وقصورا ببعض بلدان القارة.
لكن الضغط الأممي، لم يترك لكوريا الشمالية التي شكلت حليفا رئيسيا للأنظمة الماركسية الإفريقية خلال حروب التحرير والاستقلال، الكثير من الحلفاء، فمعظم دول القارة إما قطعت العلاقة مع بيونغ يانغ في 2017، كما فعلت أوغندا والسودان، أو قلصتها إلى أدنى حد، كما فعلت تنزانيا، أو علقتها كما هو الحال بالنسبة لبوركينافاسو.
ومع ذلك فإن كوريا الشمالية لديها ورقة رابحة إفريقيا، وذلك لأنه لا يوجد لها ماض استعماري في القارة، كما أنها تناهض القوى الغربية التي عانت إفريقيا من استعمار بعضها، واستنزافه خيراتها حتى بعد الاستقلال، وهذا يجعل الباب مفتوحا أمامها لتعزيز الحضور إفريقيا، خصوصا في البلدان التي تعاني من هجمات الجماعات المسلحة، على غرار بوركينافاسو الواقعة نسبة 40% من مساحتها تحت سيطرة المسلحين.
محفوظ ولد السالك/كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية