تمتلك موريتانيا الكثير من العوامل تؤهلها للعب دور محوري في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، والخروج من مرحلة التقوقع والغياب عن ساحة التأثير الإقليمي الفاعل، والتصدر لتقديم الحلول للأزمات المستجدة، بدل انتظار أن يحمل المشعل طرف آخر في المنطقة أو خارجها.
وتزداد فرص نجاح هذا الدور، إذا كانت أزمات دول الجوار غرب الإفريقي، يتصدرها عدم الاستقرار السياسي والأمني، وهما تحديان يمكن من خلالهما تسويق تجربة موريتانيا، كبلد مستقر في محيط إقليمي مضطرب.
قد تكون بالفعل حصلت بعض المحاولات في هذا الاتجاه، ولكنها ظلت في عمومها محدودة الحضور والتأثير، ولعل مستجدات الأوضاع التي شهدتها وما تزال، بعض الدول الأعضاء بمجموعة الخمس في الساحل أبرز مثال على ذلك.
فمالي التي تتقاسم معها موريتانيا حدودا جغرافية بطول 2237 كلم، وتشكل نواكشوط أحد منافذها التجارية والاقتصادية في المنطقة، لم يكن حضور الدبلوماسية الموريتانية بذلك الألق، إزاء انقلابيها العسكريين، وأزمتها مع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا – التي تعد موريتانيا أحد مؤسسيها قبل أن تنسحب منها عام 2000 – وكذا أزمتها مع فرنسا الشريك التقليدي لبلدان الساحل في الحرب على الجماعات المسلحة.
وبمستوى أكبر من الغياب الدبلوماسي الذي يبعد البلاد عن فرصة التموقع في دوائر صنع القرار الإقليمي، لم تعر موريتانيا كبير اهتمام للانقلاب العسكري في بوركينافاسو، شريكها في مجموعة الخمس بالساحل، وكذا الانقلاب في غينيا كوناكري، التي قادت وإياها وساطة ناجحة في غامبيا عام 2017، على إثرها قبل الرئيس السابق يحيى جامي ترك السلطة للرئيس المنتخب آدما بارو، بعد أن كانت “سيدياو” قاب قوسين أو أدنى، من إزاحته بالقوة.
والواضح أن موريتانيا قد تكون استسلمت منذ الوهلة الأولى لخيار “عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”
، لكن كان بإمكانها أن تحافظ على هذا الخيار، من خلال بناء استراتيجية دبلوماسية تضمن لها قيادة وساطات ناجحة، تعزز حضورها كفاعل إقليمي في مجال الاستقرار السياسي والأمني.
ولعل الجهد الذي تبذله موريتانيا حاليا، من أجل عدول مالي عن قرارها الانسحاب من مجموعة الخمس في الساحل – التي تأسست في نواكشوط عام 2014 – وتجنب تفككها، يعد في جانب منه نتاج عدم فاعلية الموقف الموريتاني تجاه الأزمة المالية منذ البداية، واستسلام مجموعة الخمس لأمر الواقع، في ظل تولي رئاسة ثلاث من دولها مجالس عسكرية انتقالية.
إن تفويت مثل هذه المبادرات الدبلوماسية، فضلا عن إسهامه في إبعاد موريتانيا عن دائرة التأثير الإقليمي، فإنه يجعلها أيضا تتأثر وإن بمستوى من التفاوت، بأي تداعيات محتملة، ولعل تفاقم تدهور الوضع الأمني بمالي الذي أعقب الانقلاب العسكري الثاني يؤكد ذلك، حيث راح عدد من الموريتانيين ضحايا هجمات الجماعات المسلحة، ونفذت هذه المجموعات بعض العمليات في مناطق قريبة من الحدود الموريتانية.
ووصل الأمر حد أن باتت الخارجية الموريتانية، تدعو المواطنين الموجودين في منطقة الساحل، إلى اليقظة وتوخي الحذر، حفاظا على عدم تعريض حياتهم وممتلكاتهم للخطر.
محفوظ ولد السالك
كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية