مع دخول الاقتتال في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع أسبوعه الثالث، مخلفا أزيد من 500 قتيل وأكثر من 4 آلاف جريح، فضلا عن نزوح ولجوء عشرات الآلاف نحو دول الجوار، فإن الجهود تتكثف على الصعيدين الإقليمي والدولي، بحثا عن حل ينهي الأزمة التي تنذر بخطر يتهدد استقرار وتماسك البلاد.
ورغم تمديد إغلاق المجال الجوي السوداني أمام حركة الطيران إلى غاية 13 من مايو، وخرق الطرفين الهدنات الخمس التي اتفقا عليها، وانتقال المعارك إلى مناطق خارج العاصمة الخرطوم، إلا أن ثمة مؤشرات على أن القائدين العسكريين عبد الفتاح البرهان، ومحمد حمدان دقلو، قد يتوصلان إلى قناعة أن لا أحد منهما سيربح في هذه المعركة، وأن الشعب السوداني يظل الخاسر الأكبر.
وهو ما يعني أن الوساطات قد تنجح في لملمة جرح السودان المفتوح والنازف، ورسم خارطة تفاهم جديدة، تبعد العسكريين عن السلطة، وتوصل المدنيين للحكم.
ولعل أول المؤشرات الدالة على إمكانية حصول اختراق في الموقف المتصلب للبرهان وحميدتي، هو قبولهما مبادرة الهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” القاضية بتمديد الهدنة، ما أفضى لإقرار هدنة خامسة.
كما اقترحت المنظمة شبه الإقليمية على طرفي النزاع كذلك، انتداب ممثلين عنهما، من أجل عقد لقاء في جوبا عاصمة جنوب السودان، قصد البحث عن حل للأزمة.
وثمة مقترح آخر بعقد اجتماع لوزراء خارجية جنوب السودان وكينيا وجيبوتي، مع مبعوثين عن طرفي النزاع، خارج السودان.
فضلا عن ذلك، فإن إيفاد الخرطوم مبعوثا خاصا لأول مرة منذ بدء الاقتتال، للقيام بجولة تشمل السعودية ومصر، وعددا من الدول الإفريقية المجاورة للسودان، يعتبر معطى آخر بشأن البحث عن حلول غير تبادل إطلاق الرصاص.
صحيح أن اصطفاف بعض الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد السوداني إلى جانب البرهان أو حميدتي، قد يضيق دائرة إيجاد وسيط حيادي يقبله الطرفان معا، ومع ذلك فإنه توجد أطراف يمكنها أن تلعب دور الوسيط، كما أن المنظمات الإقليمية ممثلة في “إيغاد” والاتحاد الإفريقي، أو بعض المبادرات الإفريقية الأخرى، يمكن أن تلقى قبولا أكثر.
وعلى الصعيد الداخلي، شكلت قوى سياسية ومدنية مبادرة أطلقت عليها اسم “الجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية”، دعت إلى تسمية الجيش وقوات الدعم السريع ممثلين لهما لبحث سبل وقف إطلاق النار، وحذرت من تزايد المخاطر “بانعدام الأمن وانتشار الجريمة من سلب ونهب للمنازل والمواطنين، والمحلات التجارية والمصانع والبنوك، جراء المعارك الدائرة”.
ولعل من المثير في السودان منذ بدء الاقتتال، خفوت الصوت السياسي والمدني، بل إن بعض المكونات السياسية والمدنية تخندقت مع البرهان، وأخرى مع حميدتي، وهذا ما قد يفقدها جزءا كبيرا من الفاعلية والتأثير، وقد يشكل لاحقا تحديا أمام التخلص من وجود العسكر في السلطة.
فقد كان من الأولى أن تذوب الخلافات السياسية والإيديولوجية منذ الوهلة الأولى أمام الصراع المسلح، وتشكيل جبهة رفض وممانعة قوية، تكون كلمتها مسموعة، ومؤثرة، وتشكل جزءا من الحل الإقليمي والدولي، بدل السرعة في التموقع.
ورغم أن وقف إطلاق النار، وفتح المجال أمام انسيابية حركة السودانيين بأمان، ودخول المساعدات الإنسانية – التي وصلت أول شحنات منها اليوم إلى بورت سودان – يشكل أولوية رئيسية، فإن سيناريوهات الحل قد تطرح إشكالا عميقا من شأنه أن يطيل الأزمة، على الأقل في بعدها السياسي.
فقائدا القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع لن يقبلا – الآن على الأقل – بالخروج من المشهد السياسي، وترك الباب مشرعا أمام المدنيين، فهما لم يقتتلا إلا من أجل السلطة، والمدنيون غالبا لن يقبلوا بسوى خروجهما من السلطة، وهذا يعني بداية أزمة جديدة، وكأن قدر السودان أن لا يخرج من أزمة إلا ودخل أخرى.
محفوظ ولد السالك/ كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية