اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

هل يحدد خليفة “السلطان” نية الغزواني في الرئاسيات؟

بينما ترقب الأعين انعقاد المجلس الوطني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية في مؤتمر طارئ بدا أن تفاعلات ما قبل المؤتمر توحي بتغيير حتمي في هرم حزب الحكم إثر تصريحات منسوبة لرئيسه الحالي سيدي محمد ولد الطالب أعمر (الملقب بالسلطان) اعتبرت مسيئة لمجموعة اجتماعية بعينها.

وقد شمر القياديون في الحزب بدرجات متفاوتة عن جهودهم في الحشد والاستقراء، فلا أحد غير الرئيس وفرادى من معاونيه يعرفون من سيخلف السلطان بعد قليل.

خليفة السلطان

ينتمي السلطان لولاية الحوض الشرقي، فهو مهندس في الهيدروليك تخرج بـ”ديبلوم أحمر” وهي عبارة تقنية في الاتحاد السوفييتي وروسيا لاحقا تعني أن الطالب لم يرسب في أي اختبار فرعي أو امتحان رئيسي طيلة مدة سلك الدراسة، أسس وأدار الوكالة الوطنية للماء الشروب والصرف الصحي بأمر من الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع ومنها ترقى إلى حقيبة وزارية جمعت له ثلاثة قطاعات. يتداول السياسيون الموالون على نطاق واسع أنه استدعي من مهمة في الكويت في الثاني من أغسطس 2005 من قبل ولد الطايع للعودة إلى نواكشوط لتكليفه بالوزارة الأولى من غد عند عودة الرئيس من التعزية في رحيل الملك فهد.. لكن الرئيس لم يعد.

ظلت علاقة السلطان بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في الحد الأدنى، لم يعجب أي منهما بالآخر يوما، لذا وجد كل منهما ضالته في البعد عن الآخر، ولذا غادر السلطان إلى بكين سفيرا، ومنها إلى موسكو التي خبرها أيام الدراسة ويتقن لغة أهلها، وبلغ حد كره التداني بينهما أن ضغط ولد الطالب أعمر في آخر أيام ولد عبد العزيز كي يجدد له جوازه الديبلوماسي دون الحاجة إلى الرجوع إلى نواكشوط.

علاقة السلطان بالرئيس الغزواني قديمة، فقد كان يعالج إخلال ولد عبد العزيز بوعود مع شركات تصنيع السلاح الروسية بأمر من الغزواني، وتكرر أن عقدت اجتماعات معالجة تصرفات ولد عبد العزيز بأمر من الغزواني في مكاتب السفارة الموريتانية بموسكو مساء بعد انتهاء الدوام الرسمي.

السلطان ومحمد أحمد ولد محمد الامين، وزير الداخلية، شقيقا نفس، علاقتهما أقرب وأوصل من أي اثنين، تسامرا كثيرا وطويلا في عهد ولد عبد العزيز وهما عنده في المنزلة ذاتها.

بيد أن قوة ولد الطالب أعمر، وربما معيار الغزواني في انتقائه تحديدا لمهمة قيادة أول دورة للحزب في عهده هي معرفته بدقائق الملكية التقليدية للأراضي وتفاصيل علاقات العائلات والقبائل على مدى أكثر من عقدين من الزمان، اكتسب ذلك عن طريق الماء، فالآبار وخرائطها وغايات الناس في ولايات البلاد إليها تجعله أمهر من يطلع على تفاصيل كهذه، وزاد من معرفته هذه مهارته في الحفظ والنسب. كل ذلك قبل سقطة التسجيل المسرب، فهل كان وقت تسريبه عبثا؟

حركات الملك في الشطرنج غير مقيدة الاتجاهات، لكنها بمقدار مربع واحد.. يقول مراقبون إن تصحيحا أخيرا ما زال في جيب ولد الغزواني في اتجاهين، الأول في الحزب الذي يفترض أنه ظهيره السياسي والشعبي والواضح أنه يحتاج أن يحزم ويحسب جيدا خياراته فيه لأن مربعا واحدا بقي له فيه، ثم الحكومة التي يترنح بعض وزرائها على الحافة ويوشكون على الخروج، فيما يحاول آخرون أن يدفعوا عن أنفسهم كابوس فقدان الحقيبة بتحريض كتاب ومديرين لمؤسسات عمومية على استهدافهم.. في المربعين لا يظهر الانسجام و”الهدوء” الذي يسوق الغزواني عن نفسه، ولن يكون ممكنا بعد الآن أي هدوء ومكبرات أصوات الحملات الانتخابية نصبت بالفعل.

الرئيس القادم؟

صحيح أن الساحة السياسية الخاملة معينة على اختيار رئيس، أي رئيس، للاتحاد من أجل الجمهورية وسيكون من السهل تمرير مراد الدولة لأن حزب الدولة هو حزب الدولة.. وفهم الناخب يكفي.

لكن صلب نقاش الانتخابات القادمة سيتضح في فهم ما ستؤول إليه أحوال الحزب الحاكم الآن، وتحضيرات وزير الداخلية الذي تحرف إلى الحكومة تحضيرا للنزال الانتخابي المرتقب والذي لا قدرة لأحد على استكناه شكله ومآله.

بنظرة سريعة، خمل تكتل القوى الديموقراطية ويكاد يتفرق أيادي سبأ، وتعزز خطاب بيرام كمعارض وسط أقرب إلى الموالاة لدرجة يصعب معها أن يعود لاحقا لخطاب الصعود الذي رفع أسهمه، وقد فت قياديو اتحاد قوى التقدم من قبل في عضد حزبهم، ثم انشطر تواصل إلى صقور وحمائم وطفت على سطح سلاحهم الأبرز “التواصل الاجتماعي”، طفت عليه خلافاتهم التي كانت تدار خلف أبواب موصدة.

انتخابات مستقلين إذن؟ بطريقة ما نعم، وهذا مما لم يقله وزير الداخلية أمام البرلمان مؤخرا فأغلب النواب الذين نجحوا من خلال إيجار أحزاب مغمورة في الانتخابات الماضية تقدموا بطلبات ترخيص أحزاب سياسية مكتلمة الشروط والأركان، لكن مدير انتخابات المرحلة يؤخر قدما قبل الترخيص لهم.

هذه صورة مشهد يسهل على الدولة تمرير ما يريده حزبها إن بقي الحال على شكله الحالي، إلا إذا برز إلى الصورة تيار الرئيس السابق ولد عبد العزيز وهو تيار نائم في داخل الحزب الحاكم نفسه، وفي أحزاب أخرى مغمورة ومعروفة.. آنئذ لا قبل لأحد بتوقع فعل الدولة.

خيارات الغزواني على اتساعها محدودة للغاية، فتيار ولد عبد العزيز يحسب من نقاطه، وأغلب وجوه الحزب الحاكم من هذا التيار، وإدارة ملف الانتخابات لا تريد بحكم الواقع شخصا هادئا، وإنما سياسيا مفوها وحازما وذا حجة، والأهم أن رئيس الحزب في هذه المرحلة سيكون صاحب القول الفصل ما بعد الانتخابات.

في المحصلة تتحدد نية الغزواني في الترشح لمأمورية ثانية الآن، عند معرفة الفريق السياسي الذي سيخوض الانتخابات التشريعية الوشيكة والفريق الحكومي الذي سيختم به فعليا هذه المأمورية..

فهل يخرج من الحكومة وزير هادئ كي يترأس بهدوئه الحزب الحاكم؟ أم يستدعى سياسي مفوه يتقن المحاججة؟ أم يصرف الغزواني النظر عن الخيارين وينتقي من جرابه السياسي وجها جديدا؟ ساعات قليلة تكفي للإجابة.

spot_img