شهدت عدة مدن سنغالية على مدار 48 ساعة، أعمال عنف كبيرة، خلفت 16 قتيلا بحسب حصيلة رسمية، و378 جريحا وفق الهلال الأحمر السنغالي، فضلا عن دمار واسع لحق الكثير من المنشآت والبنى التحتية العامة والخاصة، وعلى إثر ذلك اعتقلت السلطات نحو 500 شخص، وتحدثت عن أياد خفية، ووقوف أجنبي خلف هذه التوترات.
وتبدو الأحداث الأخيرة شبيهة بما حصل عام 2021، حيث قتل أكثر من 20 شخصا على ذات الخلفية التي حركت الشارع الآن، والمتعلقة بمحاكمة القيادي المعارض عثمان سونكو، الطامح لرئاسة السنغال.
ويؤشر توالي الأحداث وتجددها عند أي تحريك للملف، على أن عنفا أوسع ودمارا أكبر، قد يحصل لدى اعتقال سونكو المحكوم عليه بالسجن النافذ سنتين، وبات توقيفه مسألة وقت فقط، كما أعلن وزير العدل السنغالي إسماعيلا ماديور فال.
وبغض النظر عما إذا كان الحكم على سونكو بالسجن النافذ، وتغريمه ب600 ألف فرنك إفريقي – بتهمة “إفساد الشباب” على خلفية شكوى آجي صار العاملة السابقة بصالون للتجميل بداكار، متهمة إياه بالاغتصاب – حكما قضائيا صرفا كما تقول السلطات الرسمية، أو كان سياسيا هدفه منع المعارض القوي من الترشح للرئاسة، كما يقول هو وأنصاره، فإن البلاد على شفا منعرج خطر، قد تكون كلفته باهظة.
وأمام هذا الوضع تبدو هناك عدة سيناريوهات للعبور بالبلاد التي تعد استثناء ديمقراطيا في غرب إفريقيا إلى بر الأمان، وعودتها للهدوء المعهود، والبدء في التحضير للرئاسيات.
ويتمثل أحد هذه السيناريوهات في أن يتم تخفيف العقوبة السجنية لأقل من عامين، بعد استئناف الحكم من طرف دفاع سونكو، أو أن تصبح مدة المحكومية غير نافذة، بما يسمح لسونكو بالترشح للرئاسة.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في تعطيل اعتقال سونكو، وعدم تنفيذ الحكم عليه، خصوصا وأن إدانته تمت على اعتبار أن التهمة “إفساد الشباب” وليست “جريمة اغتصاب”، التي تجرده من حقوقه الانتخابية، ما يجعل ثمة إمكانية لترشحه.
أما السيناريو الثالث فيتمثل في أن يصدر الرئيس ماكي سال عفوا رئاسيا عن خصمه عثمان سونكو، ويعلن عدم الترشح للرئاسة احتراما للدستور.
وفي غياب أي تهدئة من هذا الحجم، يسمح على ضوئها لعثمان سونكو بالترشح، وتزيل اللبس بشأن موقف ماكي سال من رئاسيات ال25 فبراير 2024، فإن الوضع سيظل في تأزم من حين لآخر.
لقد تجاوز عنف الأحداث وقوتها، مجريات الحوار الدائر حاليا في السنغال بين النظام وبعض الأحزاب والمنظمات المعارضة، والذي افتتحه ماكي سال يوما بعد صدور الحكم على سونكو، وبات واضحا بالتالي عدم قدرة هذا الحوار على استيعاب الوضع، والخروج بحلول للأزمة الدائرة بين الرئيس ومعارضه الأبرز.
وإذا كانت المظاهرات قد بدأت بالفعل تخفت بشكل كبير تدريجيا منذ يوم أمس، إلا أنها حتما ستتجدد عندما يتم اعتقال عثمان سونكو، الذي يتحدث حزبه عن تعرضه للاحتجاز في منزله بالعاصمة من قبل قوات الأمن، وعدم السماح لأي شخص بالاقتراب منه.
وفي ظل هذا الوضع، لا تبدو خيارات المناورة أمام ماكي سال كبيرة، فإما أن يبحث عن مخرج آمن يحفظ له تاريخه ومساره وإنجازاته في السلطة، وإما أن ينسف كل ذلك، ويواصل في شد الحبل مع سونكو، ويتجه نحو تعديل الدستور والترشح لولاية ثالثة، لكن الخيار الأخير لن يكون سالكا، لأن الانتخابات التشريعية التي جرت قبل أقل من عام، وبالكاد حصل فيها ائتلافه على أغلبية مطلقة، تؤكد أن السنغاليين لن ينتخبوه إذا ترشح مجددا.
كما أن ردود الفعل الإقليمية والدولية على تطورات الأحداث، في البلاد، تؤكد في معظمها على ضرورة احترام التاريخ الديمقراطي للسنغال، وأهمية تنظيم انتخابات توافقية، وهذا يعني ضمنيا اعتبار الحكم الصادر بسجن سونكو، حكما سياسيا، وهذا أيضا ليس في صالح ماكي سال.
محفوظ ولد السالك/كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية