اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

أودينغا.. المعارض المنتصر في الشارع المنهزم في الصناديق

تتداول وسائل الإعلام الإقليمية والدولية على نطاق واسع هذه الأيام اسم زعيم المعارضة الكينية رايلا أودينغا، وهو يخوض تعبئة ميدانية واسعة النطاق ضد نظام الرئيس وليام روتو الذي لم يمض بعد عامه الأول في السلطة.
فبدعوة من المخضرم العنيد أودينغا خرج الآلاف مؤخرا في نيروبي وغيرها من مدن البلاد، احتجاجا على التضخم وغلاء أسعار المعيشة، وتخللت بعض هذه التظاهرات أعمال عنف خلفت عشرات القتلى والجرحى، واعتقل على إثرها المئات.

لكن المفارقة تكمن في أن المهندس الميكانيكي رايلا البالغ من العمر 88 عاما، لا تنعكس قدرته على الحشد الجماهيري، وتحريك الساحة السياسية، في صناديق الاقتراع، فقد خاض شهر أغسطس الماضي الانتخابات الرئاسية للمرة الخامسة في تاريخه، دون أن يتمكن من الوصول إلى السلطة.

لقد تقلد ابن العائلة السياسية الكينية المشهورة، المنحدر من ثالث قبائل البلاد أهمية ووفرة، عديد المناصب الوزارية، وتولى رئاسة الحكومة عام 2008، لكنه لم يلج باب القصر في نيروبي، إلا تلبية لدعوة من رئيس يريد تهدئة الساحة السياسية، التي يشكل رايلا وقودها الرئيسي ومحركها الأول بلا منازع.

لا يرتبط رايلا بإيديولوجية محددة، وقد ظل على مدى عقود يدافع عن “المحرومين”، ويدعو “لتقسيم عادل للثروة”، وإن لم ينصفه الكينيون بعد، في تحقيق رغبته الجامحة في الوصول إلى الرئاسة.

دخل أودينغا السجن مع والده عام 1982، في ظل حكم دانيال أراب موي، وذلك للاشتباه في ضلوعه في محاولة انقلاب فاشلة، ثم سجن مرتين أخريين عامي 1988 و1990.

وبعد خروجه الأخير من السجن، آثر المنفى الاختياري في النرويج، لكنه لم يستمر في ذلك طويلا، إذ سرعان ما عاد إلى كينيا، بعدما أجاز الرئيس موي التعددية السياسية في عام 1991، فخاض السباق الرئاسي لأول مرة سنة 1997، وكانت تلك أولى محاولاته الفاشلة في تحقيق الحلم الرئاسي.

لم يستسلم خريج الجامعات الألمانية للفشل، فعقد تحالفات أطاح من خلالها سنة 2002 بدانيال أراب موي، وأسهم بقوة في انتخاب الرئيس مواي كيباكي الذي أصبح لاحقا أشد خصومه، حيث أقاله أواخر 2005 من الحكومة رفقة عدة وزراء آخرين عارضوا مشروع دستور تبناه الرئيس، ورفضه الشعب الكيني بنسبة 60%، مما شكل ضربة قوية له.

نافس صاحب “الماكينة الألمانية” مواي كيباكي في انتخابات 2007، لكن الفشل لاحقه مجددا، ورافقت ذلك الاقتراع أعمال عنف راح ضحيتها مئات الكينيين، قبل أن تنتهي باتفاق بين كيباكي وأودينغا، تولى بموجبه الأخير رئاسة الحكومة.

عاد رايلا للسباق الرئاسي في العام 2013 وخسر أمام أوهورو كينياتا بفارق ضئيل، ما جعله يدعي تزوير الاقتراع، لكن المحكمة العليا في نيروبي قضت بنزاهته، وقد كان ثمن رفض أودينغا باهظا، حيث تسببت موجات العنف في مقتل 1200 شخص.

وفي العام 2017 عاد الرئيس وزعيم المعارضة للتنافس مجددا، وفاز كينياتا بولاية ثانية، لكن أودينغا لم يعترف بالهزيمة، لدرجة أنه نصب نفسه في 2018 رئيسا، خلال حفل أقامه بنيروبي.

واستحكمت الأزمة السياسية في البلاد، قبل أن يتفاهم الطرفان، ومن ضمن نقاط التفاهم أن يدعم كينياتا أودينغا في رئاسيات 2022، وهو ما حصل في أغسطس الماضي، لكن تحالف الاثنين، لم يستطع هزيمة وليام روتو الذي تولى منصب نائب الرئيس لعشر سنوات.

الآن ومع عودة أودينغا لتحريك الشارع مجددا، يبدو أن عينه على رئاسيات 2026، لكن تحدي رايلا وقد عاش أزيد من 80 حولا، أنه يملك السلطة على الشارع، ويفتقدها في الصناديق.

محفوظ ولد السالك / كاتب متخصص في الشؤون الإفريقية

spot_img