منذ عام 2021، تعيش مجموعة دول الساحل الخميس، أزمة حادة بعد مغادرة أحد أبرز مؤسسيها الرئيس التشادي إدريس ديبي الحكم مقتولا على يد متمردين معارضين لحكمه، لتدخل بذلك المجموعة التي أعلن عن تأسيسها من العاصمة الموريتانية نواكشوط في فبراير 2014، موتا سريريا، عبر عنه رئيس جمهورية النيجر محمد بازوم بشكل صريح قبل فترة في مقابلة خص بها الصحافة الفرنسية.
تضم المجموعة في عضويتها دول موريتانيا، ومالي، والنيجر، واتشاد، بالإضافة إلى بوركينا فاسو.
غادر القادة المؤسسون للمجموعة السلطة تباعا ” إذا استثنينا الرئيس البوركينابي ابليز كوباورى، الذي أبعد عن السلطة بالانقلاب أشهرا قليلة بعد تأسيس المجموعة” خلال سنوات 2019 ، 2020 و 2021.
كان أول المغادرين صاحب الفكرة وأول رئيس للمجموعة الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز عبر صناديق الاقتراع، بعد انتخاب صديقه، رفيق السلاح، ووزير الدفاع في آخر حكوماته محمد والشيخ الغزواني رئيسا للبلاد 2019، وفي عام 2020، قاد العقيد عاصيمي غويتا انقلابا في جمهورية مالي ضد الرئيس ابراهيم بوبكر كيتا، بينما سلم محمد اوسوفو السلطة لصديقه في النضال محمد بازوم الذي انتخب خلفا له 2021.
شهدت دول المجموعة هزات عنيفة خلال السنوات الأخيرة لعل أبرزها الانقلابات المتتالية في بوركينا فاسو، ومالي إضافة إلى مقتل الرئيس اتشادي إدريس ديبي أبرز الفاعلين في المجموعة والمدافعين عنها بعد صديقه الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز.
يرى مراقبون، أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ونظيره النيجري إضافة إلى الرئيس التشادي الجنرال محمد إدريس ديبي المدعوم فرنسيا اكتفوا بالتفرج، أو التحرك الخجول، طيلة السنوات الماضية، رغم التداعيات الخطيرة للأوضاع الراهنة في المنطقة، والتي تنذر في أقل تحدياتها بتفكك المجموعة.
إرهاصات التفكك
منتصف شهر مايو من عام 2022، أعلنت دولة مالي التي تحد موريتانيا من الشرق والجنوب، انسحابها من مجموعة دول الساحل الخمس ومن قوتها العسكرية المكلفة بقتال الجماعات المسلحة النشطة في المنطقة.
وأوضح عسكريو باماكو، أن القرار يأتي احتجاجا على رفض تولي مالي رئاسة هذه المنظمة الإقليمية، مشيرين إلى ارتباط هذه الدول بدولة خارج المنطقة تسعى جاهدة إلى عزل باماكو، في إشارة إلى فرنسا.
وندد العسكريون، برفض “دولة عضوة في مجموعة دول الساحل الخمس تستند إلى الوضع السياسي الداخلي لمعارضة تولي مالي رئاسة المجموعة.”
وذكروا أنه “كان من المفترض “أن تستضيف باماكو في فبراير 2022، مؤتمرا لقادة دول المجموعة على أن “تكرس بدء (ولاية) الرئاسة المالية لمجموعة دول الساحل الخمس”، لكن “بعد مرور نحو 3 أشهر” على هذا الموعد “لم يعقد” الاجتماع”، وهو ما أغضب رفاق اغويتا فأعلن الانسحاب.
حراك دبلوماسي موريتاني
بعد انسحاب مالي من مجموعة الساحل الخمس، أوفدت نواكشوط، وزير الخارجية محمد سالم ولد مرزوك إلى باماكو، دون الإفصاح عن طبيعة الزيارة.
لكن رئيس الدبلوماسية الموريتانية أوضح في تصريح نشره الإعلام المالي، أنه نقل للرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا، رسالة من نظيره الموريتاني تتعلق ب”التطورات الأخيرة التي تعرفها مؤسستنا شبه الإقليمية مجموعة الخمس في الساحل”.
وأشار إلى أن الرسالة ترتبط كذلك ب”العلاقات الأخوية بين البلدين والتي يعرفها الجميع”.
وبالتزامن مع ذلك، دعا رئيس تشاد الجنرال محمد إدريس ديبي، الرئيس الدوري لمجموعة دول الساحل الخمس أنذاك، إلى عقد مؤتمر استثنائي لقادة دول المجموعة في العاصمة الموريتانية نواكشوط، من أجل بحث التطورات الأخيرة المتعلقة بانسحاب مالي من المجموعة.
وعبر الجنرال محمد ديبي عن أسفه لانسحاب مالي قبل “التشاور” حول أسباب اتخاذ قرار الانسحاب.
وفي أواخر مايو، أوضحت الحكومة الموريتانية، أنها أوفدت وزير خارجيتها إلى باماكو للتأكيد على أهمية مجموعة الساحل لموريتانيا.
أزمة مع الشركاء الدوليين
بعد تدهور العلاقات بين باماكو وباريس، أعلنت فرنسا وشركاؤها الأوروبيون وكندا، انسحابهم العسكري من مالي وإنهاء العمليتين العسكريتين لمكافحة الجهاديين “برخان” و”تاكوبا”.
وخلال شهر أغسطس من عام 2022، أعلنت فرنسا انسحاب آخر جنودها من مالي، لتنهي بذلك مهمة جيشها في هذا البلد الإفريقي بعد تواجد دام تسعة أعوام في إطار قوة برخان العسكرية، وهو عبر عن وجود قطيعة نهائية بين باماكو، وباريس.
وفي أواخر شهر يناير الماضي، أعلنت فرنسا أنها ستسحب قواتها من بوركينا فاسو في غضون شهر، بناء على طلب من المجلس العسكري الحاكم في واغادوغو.
رئاسة موريتانيا للمجموعة
في الـ21 من شهر فبراير 2023، تسلمت موريتانيا رسميا، رئاسة مجموعة دول الساحل من تشاد.
وأكد الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني في خطاب تسلمه لرئاسة المجموعة، “أنه على الرغم من السياق الإقليمي والدولي غير المواتي إلى حد ما، فقد تمكنت مجموعة دول الساحل الفتية بسرعة كبيرة من إيجاد مكان لها على الساحة السياسية والدبلوماسية الدولية، وحشدت شركاءها لدعم برامجها الخاصة بالحوكمة والمرونة والأمن.”
وأشار إلى ” أن منظمة دول الساحل الخمس تعرضت خلال السنتين الماضيتيتن لمشاكل داخلية وخارجية أثرت سلبا على أدائها، أبرزها انسحاب مالي من المجموعة الذي تسبب في شرخ جغرافي وحرم المنظمة من إسهامات أحد البلدان المؤسسة لها، في وقت يتعزز حضور التنظيمات الإرهابية في منطقة الحدود الثلاثية.”
وأكد أنه “سيواصل العمل بشكل جاد من أجل عودة مالي إلى مجموعة دول الخمس بالساحل.”
مبادرة موريتانية لإعادة إطلاق أنشطة المجموعة
أعلنت موريتانيا بداية الأسبوع الجاري وبالتزامن مع أعمال الجمعية العامة الرابعة لتحالف الساحل، التي استضافتها نواكشوط الاثنين الماضي، عن تقدم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بخارطة طريق لإعادة إطلاق أنشطة المجموعة واستعادة الثقة مع الشركاء.”
وتهدف الخارطة “إلى تعزيز قدرات الجهات الدفاعية والأمنية لمكافحة انعدام الأمن في منطقة الساحل، وتحسين ظروف التنمية المستدامة لسكان منطقة الساحل، وزيادة وصول السكان في المناطق العابرة للحدود للخدمات الضرورية.”
وتسعى المبادرة عبر المحور الدبلوماسي، ” إلى تطبيع وتهدئة العلاقات بين الدول الأعضاء وشركاء التحالف، ولاسيما تطبيع العلاقات بين مالي وبوركينا فاسو مع الشركاء الغربيين لمجموعة دول الساحل، وتطوير الظروف اللازمة لإعادة اندماج مالي في المستقبل في المنظمة.”
بعد الكشف عن المبادرة أعلنت نواكشوط عن تعيين الدبلوماسي شيخنا ولد النني سفيرا لموريتانيا في العاصمة المالية باماكو، خلفا للسفير السابق أحمدو ولد أحمدو.
ويرى مراقبون، أن تعيين ولد النني، المقرب من ولد الغزواني يعد مؤشرا على قناعة جديدة لدى الرئيس الموريتاني بضرورة بداية تحرك دبلوماسي جاد من أجل إعادة مالي إلى المجموعة، خاصة أنه سبق وأن عمل سفيرا لموريتانيا في عدة بلدان في المنطقة، من بينها النيجر، والسنغال، وغينيا كوناكري، وغينيا بيساو، لكن نجاح الرجل الطامح لمنصب وزير الخارجية في هذه المهمة قد يواجه تحديات عديدة لعل أقلها صعوبة هو تجاوز خلافه القوي مع وزير الخارجية الحالي محمد سالم ولد مرزوك.
فهل ينجح ولد الغزواني في إخراج المجموعة من موتها السريري؟