spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

موريتانيا: الغش في الباكالوريا بين إجراءات الوزارة وابتكارات التلاميذ

عاد خلال الأسبوع الماضي إلى الواجهة الإعلامية وبشكل كبير الحديث عن الغش في الامتحانات، بالتزامن مع إجراء المسابقات الوطنية وخاصة الباكلوريا، وإن كان بعض الطلاب يرى فيه الوسيلة الأنجع مع التراجع الملاحظ للمستويات في السنوات الأخيرة أمام الطلاب الموريتانيين، للعبور إلى المرحلة الموالية من الدراسة، فإن الجدل احتدم أيضا حول أسباب الجرأة الملاحظة عند التلاميذ، والحديث عنه بشكل صريح بل وانتقادهم للأساتذة المتشددين في الرقابة.

و لا يخفي بعض الطلاب في حديثهم لمدار أن اتخاذ السلطات، والأساتذة إجراءات متشددة لمكافحة الظاهرة، لا يعني غلق الباب أمامهم، لمقدرتهم الفائقة على ابتكار أساليب جديدة للغش تتلاءم مع متطلبات المرحلة، وتفوق توقعات المراقبين، معلنين بذلك جاهزيتهم لتحدي أي إجراء جديد، مستعينين أحيانا بالتكنولوجيا التي تمكنهم من أدوات لا يستوعبها غالبا المكلفون بالرقابة، وفي أحايين أخرى بالحيلة، مستخدمين العقل، ومتحدين كل الإجراءات المنطقية التي اتخذتها الجهات المختصة.

قديما كان اصطحاب المصغرات والملصقات المليئة بالمعلومات، إلى الامتحانات هو الأكثر انتشارا، وكان يحقق أرباحا طائلة لأصحاب الوراقات قبل أيام قليلة من انطلاق المسابقات، إلا أن الصرامة التي انتهجتها الوزارة عبر تفتيش الطلاب قبل الدخول في القاعات، جعلت من اصطحابها شيئا مستحيلا، لكن المراقبين والمكلفين باتخاذ الإجراءات الاحتياطية لا يستوعبون غالبا وفق أحد المترشحين للباكالوريا تحدث لمدار أن قلمه يُمكنه من إجراء مكالمة هاتفية، مع سماعة “ابلوتوث” صغيرة الحجم، يمكن وضعها في الأذن دون أن تثير أي انتباه.

بالنسبة للوزارة المكلفة فإن باكالوريا 2022، شهد إجراءات مشددة وغير مسبوقة في تاريخ المسابقة، وهو ما ترتب عليه إلغاء امتحان كل من ضَبطت بحوزته هاتفا، أو أي وسيلة أخرى للغش، ومع ذلك كانت مهارات الغش فعالة وفق متابعة مدار، رغم إلغاء امتحان العشرات بعد ضبطهم متلبسين.

أحد المشاركين في امتحان الباكلوريا لهذا العام، طلب حجب هويته، أكد أنه استطاع ممارسة الغش رغم تشديد الإجرءات في مادتي التربية الإسلامية، والعلوم، عبر تدوين بعض المعلومات داخل جيب سرواله الأبيض وفق تعبيره.

ويضيف الطالب البالغ من العمر 20 عاما والذي أجرى امتحان باكلوريا شعبة “العلوم”، “في مادة التربية الإسلامية شعرت بالكثير من القلق خشية أن يضبطني أحد المراقبين، مع أنني كنت أدرك صعوبة ذلك، وحين تمت العملية بنجاح، أعدت الكرة ثانية في مادة العلوم مع كثير من الارتياح.”

من جهة أخرى سألت مدار المترشحين لامتحان الباكلوريا خلال يومهم الأول أمام الكاميرا، عن موقفهم من الإجراءات المتخذة للحد من الغش، وكان استياؤهم واضحا، ومن بين المتحدثين لمكرو مدار طالب يخوض امتحانات الباكلوريا للمرة الثالثة في بنواكشوط، حيث شكا من أحد المراقبين المتشددين، بعد أن صادفه في الرقابة للمرة الثالثة، منتقدا أسلوبه ومطالبا الوزارة بتحويله إلى الداخل.

المراقب الذي تحدث عنه الطالب، هو الأستاذ محمد المامون البار، وقد تحدث لمدار عن أسلوبه في المراقبة على الامتحانات، والمسابقات الوطنية.
كما تحدث عن طرده لسبعة من المترشحين للباكالوريا في السنة الماضية.
يقول ولد البار: “حين توزع أسئلة الامتحان على الطلاب، ألتزم الصمت نهائيا، وأنتهج لغة الإشارة فقط، ولا أسمح بأي شكل من أشكال الغش، جازما في حديثه لمدار أن القاعة التي راقب فيها لم يدخلها هاتف، وإن كان دخل لم يتم استعماله.”
هذا الجدل الذي استطاعت مدار إخراجه للعلن، والذي دار بين الأستاذ، والتلميذ، لقي تفاعلا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، وهو انعكاس طبيعي، وفق أغلب المترشحين للباكالوريا، للتفاعلات التي تشهدها قاعات الامتحانات بين، المترشحين، والمراقبين.

خلال اليوم الثالث من باكلوريا 2022، أعلنت وزارة التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي، إلغاء امتحانات 108 من مترشحي الباكلوريا، بسبب ضبط هواتف بحوزتهم، مشيرة إلى أن اللائحة أعدت بناء على التقارير الواردة من رؤساء مراكز البكالوريا، وهو الإجراء الجديد وفق الأستاذ محمد المامون البار الذي يمكن المراقبين من ضبط المسابقة الأهم في حياة الشباب الموريتانيين.

بيان وزارة التهذيب أكد أن حالات الغش كانت في ولايات الحوضين، والعصابة، وكوركل، والبراكنة، والترازرة، وآدرار، وداخلت نواذيبو، وكيدي ماغا، وإنشيري، وولايات نواكشوط الثلاث، وهو ما يكشف بجلاء حجم انتشار الظاهرة داخل موريتانيا.

الإجراء التي تم اتخذتها، لم تمنع من تبادل أسئلة الامتحان على شبكات التواصل الاجتماعي بعد دقائق من طرحها، الأمر الذي يؤكد قدرة المترشحين على ابتكار أساليب جديدة تلائم طبيعة المرحلة، ومع ذلك يعترف التلامذة بصرامة المراقبة هذا العام، وقدرتها على الحد من الغش.
ووفق بيان صادر عن وزارة التهذيب فإنها تستعد لتسليم الهواتف المصادرة في الامتحانات خلال الفترة الممتدة بين 20 و24 يونيو الجاري.
يقول أحد المستفيدين من هذا الإجراء، خسرنا بكالوريا ومن الجيد أنني لم أخسر هاتفي، في هذه الظرفية الاستثنائية، خاصة أن والدتي، رغم قناعتها بتعرضي للظلم من طرف المراقب، الذي فضل “التزلف” للوزارة على حساب مهمته التربوية وفق تعبيره، إلا أنها رفضت فكرة شراء هاتف جديد لي، بعد الفشل الذي بات معلوما لدى الجميع في حصولي على بكالوريا.
لم يظهر أي من المترشحين خلال حديثهم مع مدار أي نوع من أنواع الخجل عند الحديث عن الاختلاس، بل كان الحماس يسيطر على حديث من نجحوا في تجاوز الإجراءات المتخذة، متبجحين بذكائهم الخارق الذي مكنهم من تجاوز عقبة صرامة الوزارة، والحماس الزائد للمراقبين.
يقسم الأستاذ محمد المامون البار خلال حديثه لمدار بشعوره بالندم وتأنيب الضمير بعد كل قرار يتخذه بطرد تلميذ من قاعة الامتحان، لكن ذلك الشعور لا تلاحظه وأنت تتحدث مع من تم إقصاؤهم من البكالوريا بعد ضبطهم متلبسين بجريمة الاختلاس.

spot_img