سحبت السلطات الموريتانية مساء الأربعاء قبل منتصف ليل الخميس بقليل قوات مكافحة الإرهاب التي كانت مرابطة عند منزل الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز، بدا ذلك إيذانا بنهاية مرحلة تجاوزت سنة ونصف قضاها الرجل تحت الرقابة القضائية، أو رهن التوقيف بمدرسة الشرطة بنواكشوط الغربية.
إلى الوراء قليلا..
قبل ذلك بأقل من 24 ساعة كانت هيئة الدفاع عن الرئيس السابق تقف بباب منزله لإظهار ما أسمتها تناقضات النيابة، واحتجاز موكلهم بشكل قسري بعد انتهاء فترة الرقابة القضائية التي حددتها بيانات النيابة.
بين البوابة الرئيسية لمنزل ولد عبد العزيز وحيث يقف محاموه، حاجز طويل جدا إذا قورن بما يدور في كواليس السياسة ودهاليزها، فلرجال إنفاذ القانون نصوصهم المقيدة، وللسياسيين أسلوبهم الخاص في التعاطي مع الملفات القانونية المعقدة.
وحده قلم النيابة العامة مضبوط بقوة القانون، يطلق ويقيد.
بعد منتصف نهار يوم الأربعاء أكدت النيابة العامة انتهاء آجال الرقابة القضائية في الملف رقم 01/2021، للمتهم فيه رقم ١ محمد ولد عبد العزيز وآخرين من رموز عهدتيه، مضيفة أن المتهمين في الملف ستتم محاكمتهم أمام الجهة المختصة، إن تم تأكيد قرار إحالتهم.
أبى حدث رفع الرقابة القضائية إلا أن يتزامن مع آخر سياسي وهو التعديل الوزاري في حكومة الوزير الأول محمد ولد بلال، فهل كان مصادفة؟ خاصة أن أحد من يوصف بأنه من خصوم الرئيس السابق غادر الحكومة.
قبل ذلك، ماذا حصل في بومديد؟
في النصف الثاني من شهر أغسطس حمل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني أمتعته بعد ثلاث سنوات من الاعتكاف في الرئاسة إلى قريته ومحل أهله في بومديد بولاية لعصابه.. هناك أفق رحيب ومتصوفة وأذهان أصفى من المدن.
قال مصدران لمدار إن اتصالا هاتفيا ليس بالقصير حصل بين رفيقي السلاح لأكثر من أربعين سنة، وكأن الوصل بين الرجلين احتاج تباعدهما بعد قرب..
يقول أحد مصدري مدار والذي كان قد قاد مبادرة سابقة بين الرجلين إن ولد الشيخ الغزواني لا يريد من صديقه أكثر من استيعاب الوضع الجديد، لقد أصبح رئيسا سابقا..، فهل استوعب ولد عبد العزيز؟
لحد الساعة وعكس ما قام به في السابق فضل ولد عبد العزيز الصمت على التحدث لوسائل الإعلام، لكن اختبار صدق التفاهم منوط بمستقبل حراك الرجل في مقبل الأيام وهو الذي قال مرة على الأثير “لم أخلق لأفشل” وقال بعد الخروج من القصر إنه لن يكل أو يمل من ممارسة السياسة وإبداء رأيه.
ما جرى داخل القصر الرئاسي مساء الثلاثاء الماضي حمل أيضا في طياته جنوحا إلى التهدئة، فلا يوجد اليوم في القصر الرمادي إلا أقرب أصدقاء ولد عبد العزيز، أو بعبارة أخرى جناح التهدئة، فقد أبعد خصومه عن الواجهة تباعا..
يقول أحد الفاعلين في الجهاز التنفيذي فضل حجب هويته إن المهم هو احترام المسطرة القانونية، وهو ما تم بالفعل، حيث احترمت جميع الآجال القانونية، والجهاز التنفيذي ملزم بتنفيذ ما تنص عليه القوانين، وفي هذا الإطار تم سحب عناصر الأمن من محيط منزل الرئيس السابق بعد انتفاء أسباب وجودهم.
هل انتهى الملف؟
تقول مصادر مدار إن غالبية الممسكين بالملف فاجأتهم الخطوات الأخيرة، فحتى آخر لحظة كانت الأمور تشير إلى التوجه نحو اتباع مسطرة مغايرة، وهو ما حضرت له هيئة الدفاع نفسها، لكن الأمر الآن يتوقف على طبيعة تصرفات ولد عبد العزيز، فإن جنح إلى التهدئة فقد تشهد الأيام القادمة مزيدا من الخطوات نحو ما ذهب إليه الناطق الجديد باسم الحكومة الناني ولد اشروقه الذي أكد أن مهمة القضاء هي تعميق البحث عن أدلة الإدانة، والتبرئة معا، وإن فضل طريقا آخر فالملف موجود ودواعي تحريكه متوفرة، والحرص على استجلاب المتهمين فيه مصون.
لا تعني نهاية الملف شخص محمد ولد عبد العزيز وحده فهو يشمل عددا من رجال ثقته، وإن استثنى آخرين..، ووضع الملف على الرف لا يمكن أن يجد وقتا أكثر مناسبة من هذه اللحظة، ففي الوقت الذي يتصاعد فيه الخطاب الشرائحي من جديد، وتقترب الانتخابات التشريعية (نحو عام) يجد المتابعون ما يشغلهم عن تداعيات مثل هذه الملفات، وفي ذلك أيضا، حتى وإن كان بقصد، ما يحث على ترتيب البيت الداخلي لأغلبية ما قبل 2019 في وجه استحقاق مصيري ستعقبه مباشرة الانتخابات الرئاسية.
تشتهر أرض الشمال الموريتاني بالامتنان لخير المزن، فخريف ماطر واحد يكفيها لخمس مواسم قادمة، وقد أورقت وأخذت زخرفها وازينت هذا الخريف كما لم يحدث منذ عقود، ولا بد بين خصومة السياسة ومطرقة القضاء من فسحة لرفيق السلاح تقتطع خارج وقت المعركة.. لكن هذه الفسحة لن تطول فلم يبق من الخريف إلا فاؤه وبعدها سيحدد ولد عبد العزيز في الظاهر إن كان التفاهم قد حصل بالفعل أو أنه متحرف لقتال.