عند موقف الباصات في جامعة نواكشوط العصرية، تجلس زينب بنت محمد حوالي الواحدة ظهرا، منتظرة عودة الباص الذي سيقلها إلى ملتقى طرق مدريد، قبل أن تبدأ رحلة أخرى لا تقل مشقة، إلى حيث تقطن.
ويساور زينب، امتعاض من ما أسمته ب”تردي خدمات النقل”، خلال حديثها مع “مدار”، نظرا للساعات التي يستغرقها ذهابا وإيابا.
وتشير زينب في حديثها ل”مدار”، إلى أنها تقطن في حي الترحيل 18 بضواحي العاصمة نواكشوط.
وتقطع زينب التي تدرس السنة الثانية من تخصص اللغة العربية، تذكرة بمبلغ 50 أوقية من عند قاطع “التذاكر”، قبل أن تقول لمدار:
“لاشيء يؤرقني وينهشني في الجامعة، سوى النقل الذي يستغرق 4 ساعات ذهابا وإيابا.
أضطر أحيانا إلى الاستيقاظ عند الساعة السادسة فجرا، في فترة الامتحانات، والاختبارات، الأمر الذي يجعلني مرهقة طيلة اليوم.
وتفاقم ظاهرة الاكتظاظ ، الصعوبات التي نواجهها دائما في الباصات.”
معاناة مشتركة
ليست زينب وحدها من تعاني من تردي خدمات النقل، فقد أبدى عشرات الطلاب لمدار استيائهم من هذه الخدمة، وخاصة ظاهرة الاكتظاظ.
وشدد الطلاب خلال حديثهم مع “مدار”، على ضرورة تحسين هذه الخدمة، وبشكل مستعجل.
ومن بين هؤلاء الممتعضين، حمادي ولد محمد عبد الله ولد بوبكر، الذي يقطن في ما أسماه ب”ماوراء مدريد”
ويدرس حمادي السنة الأولى في كلية الطب، مشيرا في حديثه مع مدار، إلى أنه لم يستطع الصمود أمام “تردي خدمة النقل”، بعد 6 أشهر فقط، من ولوجه إلى التعليم العالي.
ويقول حمادي لمدار:
“أتأخر يوميا عن الحصة الصباحية الأولى، بسبب الطريقة التي انتهجها النقل الجامعي، ومهما استيقظت باكرا لا يمكنني أن أصل إلا متأخرا.
وحين أصل، لا يمكنني التركيز على الحصة، بسبب التعب الناجم عن الوقوف طيلة الرحلة التي تستغرق ساعة بين ملتقى طرق مدريد، والجامعة.
ويتكرر الأمر ذاته خلال الامتحانات، التي أخوضها، وأنا منهك القوى.”
امتعاض من خدمات المطعم
وغير بعيد، من مكان موقف باصات النقل، يتجمهر مئات الطلاب، في مطعم الجامعة، من أجل الحصول على وجبة “الغداء”، التي تتطلب حجزا مسبقا، أي قبل اليوم.
ومن بين الواقفين في هذا الطابور، الخليل ولد سيدي الذي حجز تذكرة يوم السبت الماضي، من أجل الحصول على وجبة ،” لا تغني من جوع،” حسب تعبيره.
ويشير خليل في حديثه لمدار، إلى أن الوجبات التي يقدمها المطعم، “تعبر عن مدى احتقار المسؤولين للطلاب”.
ويضيف الخليل لمدار، أن الوجبات التي يقدمها المطعم، خالية من النكهات، رغم الكمية القليلة التي يحصل عليها الطالب الواحد.”
وتطرق الخليل في حديثه، إلى تأخر فتح المطعم أحيانا عن الحادية عشرة صباحا المحددة له، فضلا عن صعوبة الحصول على قطع تذكرة، الذي يتطلبا صبرا مضاعفا”، حسب تعبيره.
سوق سوداء
ومن ماهو متعارف عليه لدى مرتادي مطعم الجامعة، بيع تذاكر الوجبات في السوق السوداء”، حيث يلجأ بعض الطلاب إلى بيع تذكرته لآخرين بثمن مرتفع عن سعرها الأصلي الذي لا يتجاوز 50 أوقية قديمة.
مولاي ولد اباه، أحد طلاب كلية القانون، أجبرته الظروف على أن يمضي اليوم، في الحرم الجامعي، ولأنه لم يكن يخطط للبقاء طويلا هنا، بدأ منذ منتصف النهار، عملية البحث، عن تذكرة في السوق السوداء من أجل الحصول على وجبة الغداء.
ويتساوم مولاي مع أحد الطلاب على ثمن تذكرة، من أجل تخفيض سعرها الذي وصل إلى 400 أوقية قديمة، قبل أن يسحب الأخير التذكرة من مولاي، معربا عن رفضه لبيعها بغير ذلك الثمن.
ويواصل مولاي البحث عن تذكرة أخرى، قبل أن يلتفت لمدار ويقول:
“أقل سعر تذكرة يمكن الحصول عليه في السوق السوداء بالمطعم الجامعي، يصل إلى 200 أوقية قديمة، في حال كانت تربطك علاقة جيدة بالبائع.
وأحيانا يتراوح سعر التذاكر الأخرى بين 300 وحتى 600 في بعض الأحيان.”
يوفر المطعم الجامعي 3 وجبات يوميا، “الفطور، الغداء، العشاء”، وقد يستفيد من هذه الوجبات في اليوم الواحد، حوالي 1000 طالب، بحسب تقديرات نقابات طلابية.
مطالب بتعميم المنحة
وفضلا عن المطالب المحلة بتحسين خدمتي النقل والمطعم، يتصدر ضرورة تعميم المنحة الطلابية مطالب الطلاب، الذين عبروا لمدار عن عدم رضاهم عن تخصيص المنحة الجامعية لطلاب الداخل وحدهم.
واعتبروا أن ذلك فيه ظلم وعدم المساواة بين الطلاب على غرار أحمد سالم محمدن.
ويقول أحمد سالم:
“لم أفهم حتى الآن، حرمان بعض طلاب السنة الأولى في الجامعة من المنحة الشهرية.
وليس مبررا أن يحرموا منها بسبب خوضهم مسابقة الباكلوريا في العاصمة نواكشوط.
يجب التراجع عن هذا القرار، لأن الطلاب سواسية في الظروف.
أنا متضرر من هذا القرار مثل الكثير، وأتمنى أن تغير الحكومة هذا القرار، خلال العام الجاري.”
وخصصت الجامعة، 13 ألف و500 أوقية قديمة، كمنحة شهرية للطلاب، وتدفع أحيانا عند كل 6 أشهر.
لكن المستفيدين من هذه المنحة، يطالبون بزيادتها، وصرفها شهريا حتى تعينهم خلال مرحلة التعليم الجامعي، التي تتطلب مصاريفا كثيرة.
ومن بين المستفيدين من المنحة الطلابية، المختار ولد الطالب، الذي أكد لمدار أن الطريقة التي يتم بها صرفها “صعبة من الناحية المادية على الطلاب”، موضحا أن الطالب لا “يمكنه أن ينتظر لمدة 6 أشهر حتى تصرف عليها، ولا يمكن أن يحصل عليها شهريا، نظرا للمبلغ الضئيل الذي سيحصل عليه.”
وشدد ولد الطالب على ضرورة زيادة المنحة، “حتى تصل إلى 20 ألف أوقية على الأقل، وصرفها شهريا على الطلاب”.
مشاكل في السكن الجامعي
وعلى مسافة 1 كلم من جامعة نواكشوط، خصصت الحكومة للسكن الجامعي، 12 جناحا للطلاب، ويضم الجناح الواحد 88 غرفة، وحمامات عمومية.
وخصصت كل غرفة لطالبين، حيث جهزت لهما بسريرين، وخزانة ملابس، وكراسي.
ويضم السكن، مكانا للصلاة، وملعبا كبيرا لكرة القدم غير مجهز، وملعبا آخر صغير مجهز “سيته”.
وتعاني الطوابق العلوية في السكن الجامعي، من انقطاع المياه، فيما يعاني قاطنوه بشكل عام، من وجبات المطعم التي وصفوها “بالرديئة”، وبعد المسافة، بحسب الطالب مامادو اتيام.
ويقول مامادو لمدار:
“نعاني هنا في السكن الجامعي، من الوجبات الرديئة التي يقدمها المطعم، وارتفاع الأسعار لدى الدكان هنا، الذي استغل بعدنا عن العاصمة نواكشوط.
كما أننا نعاني من ضعف الإنترنت، بعد قطع شبكة “الواي فاي” عنا خلال هذا العام.
ومن الصعوبات التي نواجهها يوميا، هي طول المسافة بين السكن والجامعة، التي نجتازها سيرا على الأقدام.”
اختيار الطلاب المقيمين في هذا السكن، جاء عن طريق القرعة، وبحضور جميع النقابات الطلابية، وقد استفاد من هذا السكن خلال هذا العام، حوالي 1800 طالب، بحسب رئيس قسم اتحاد العام للطلاب الموريتانيين، بكلية العلوم للتقنيات، محمد الأمين ولد خباز.
ويؤكد محمد الأمين لمدار، أن الكثير من الطلاب، لم يستفيدوا من السكن الجامعي”هذا العام، مشددا على ضرورة توفير غرف أخرى لأكبر عدد ممكن من الطلاب”.
ويطالب محمد الأمين، “بتخصيص سكن للبنات، حتى لا يتكبدن مشقة، وتعب، في فترة الامتحانات خصوصا.”
ولفت إلى أن الطلاب “يطالبون بتعميم السكن، ليمكنهم من المذاكرة معا عن قرب، وليتجنبوا مشقة النقل في فترة الامتحانات التي تتطلب ذهنا صافيا.”
في كل عام، تتجدد المطالب بتحسين الخدمات الجامعية في نواكشوط، وتصاحب هذه المطالب، وقفات احتتجاجية تنظمها النقابات الطلابية.
وقد تلجأ النقابات أحيانا إلى الاعتصام، وإضراب عن الدراسة، احتجاجا على تردي الخدمات.
وكان وزير التعليم العالي والبحث العلمي محمد الأمين ولد آبي ولد الشيخ الحضرمي، قد أعلن خلال تعليقه على نتائج مجلس الوزراء الذي انعقد بمدينة روصو عاصمة ولاية اترارزة الجنوبية بداية فبراير الجاري، أن قطاعه يعمل جاهدا على تحسين الخدمات الجامعية، مشيرا إلى أنه “قدم قبل أسابيع قليلة استراتيجية للتعليم العالي من أهم محاورها تطوير الخدمات الجامعية.”