ما هي الضروريّات في العمل الكوميدي الناجح؟ قلت للقلم: أيّ موجة لامبالاةٍ قذفت بك إلى هذا الشطّ الشطط؟ العالم الآن يترنّح بين أوكرانيا والنيجر، وأنت غيّاً تلهو في مسارح الفنون الكوميدية؟ قال: كلّا ما غويتُ ولا من حالقٍ هويت. أزمة غرب إفريقيا هي التي صرفت ذهني إلى اللوازم الضروريّة في الأعمال الكوميديّة. أغلب الظن أن شركات الإنتاج الفني في العالم العربي، لا تعرف شيئاً عمّا في جعبة الأفارقة في هذا الميدان. ينطبق ذلك على منتجي الديار المغاربية، الذين لا يجدون صعوبة في التواصل الثقافي مع بلد فرانكوفوني مثل بوركينا فاسو، فلغته الرسمية الفرنسية.
سنة 2005 ذاع صيت مسلسل كوميدي بوركينابي (هكذا النسبة إلى بوركينا فاسو)، تحت عنوان: «ثلاثة رجال وقرية»، يضم ثلاثين حلقة. أعقبته سنة 2010 ثلاثون حلقة في مسلسل تحت عنوان: «ثلاث نساء وقرية». ليس سهلاً أن يُنتج منتجٌ أو مُخرج مسلسلاً فيه عشرات الحلقات، بدريهمات معدودات، بديكور هو عصر حجري بحق، أو مجتمع بدائي البدائية. حتى المدرسة لا باب لها ولا نوافذ. حتى الكنيسة مقاعدها من طين. عمدة القرية وسيلة نقله حمار. إلاّ القسيس فلديه سيارة فرنسية، تلك المعروفة بذات الحصانين، لكنها من الجيل الأول 1948 على ما يبدو، وهي في السرعة، تنافس ناهق العمدة بجدارة.
الكوميديا الرفيعة لا تحتاج إلى كثرة العناصر والبهارج والأفراد. أهمّ ما في الكوميديا هو كوميديا الفكرة والموقف. المسلسلان جمعا في ستين حلقة، كل واحدة خمس وعشرون دقيقة، ألواناً من مشكلات المجتمعات المتخلفة المهمشة، من موروث الخرافات التي تسهّل على المحتالين سوء الاستغلال والاستغباء، إلى كشف الآثار السلبية للاستعمار، من دون أن يظهر حتى ولو عَرَضاً جنديٌّ أجنبي أو ممثل للمستعمِر. طرافة التناول وتلقائية الأداء وانعدام التمطيط، تجعل المشاهد ينسى أن الأبطال نفرٌ قليل، لأنه لا يشعر بالملل والتكلف.
قرية «كيكِدِني»، وهي بلا ماء ولا كهرباء، واجهة قاطنيها: رجل مسلم له زوجتان، والعمدة الذي له زوجة واحدة، أمّا القسيس فلا يحق له الزواج، ما يُنبت الشوك في ظنون المُثنِّي. ثمّة مسألة تسترعي الانتباه وهي أن كلا المسلسلين كالعنقود، هو وحدةٌ واحدةٌ كعنقود، ولكنّ كلّ حبّة قائمة بذاتها. عنوان الثلاثين حلقة واحد، ولكل حلقة موضوع تعالجه في القرية ذاتها، بالأفراد أنفسهم، ويظهر في كل حلقة أشخاص يفرضهم الموضوع، ولا يظهرون في الحلقات الأخرى، مثل المشعوذ والمحتال وجابي الضرائب. معاذ الله أن يكون الغرض غمزاً من قناة الكوميديا العربية، فالغاية القول: إنّ في الانفتاح مفاتيح.
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبيّة: ما استنتجه القلم من الكوميديا البوركينابيّة، أنه في الإمكان إنتاج كوميديا هادفة من دون تهريج.
عبداللطيف الزبيدي / إعلامي وأديب تونسي
المصدر: صحيفة الخليج الإماراتية