يصادف 18 أغسطس 2024، مرور 4 سنوات على الانقلاب العسكري الذي أطاح برئيس مالي الأسبق إبراهيم بوبكر كيتا من طرف الرئيس الانتقالي الحالي العقيد عاصيمي غويتا ورفاقه العسكريين.
وقد أجهض هذا الانقلاب التجربة الديمقراطية الحديثة في مالي، حيث إن الراحل كيتا كان قد أمضى عامين من ولايته الرئاسية الثانية الممتدة لخمس سنوات، وقبل انتخابه عاشت البلاد مراحل مختلفة ترواح خلالها الوصول إلى السلطة بين الانقلابات والانتخابات.
لقد أطاح رابع انقلاب عسكري بكيتا، بعد أشهر من الاحتجاجات على نظامه، بقيادة الإمام النافذ محمود ديكو، وشكلت المطالب الاجتماعية والأمنية المحرك الرئيسي للتظاهر ضد نظام “IBK”، قبل أن يتدخل العسكريون ويطيحوا به، ويعلن هو استقالته تحت الإكراه.
وبعد الإطاحة بكيتا، نصب العسكريون العقيد المتقاعد باه نداو رئيسا انتقاليا، وتولى غويتا منصب نائب الرئيس، لكن ذلك لم يستمر طويلا، حيث انقلب عاصيمي ورفاقه على الرئيس الجديد في أواخر مايو 2021.
وتولى غويتا رئاسة مالي الانتقالية، رافعا شعار تحقيق “السيادة” للبلاد أمنيا وسياسيا، فولى ظهره لفرنسا ودخل معها في أزمة انتهت بطرد قواتها من الأراضي المالية، بعد طرد سفيرها من باماكو.
وتقارب العقيد الشاب مع روسيا، متخذا منها حليفا جديدا وبديلا عن فرنسا، كما تعاقد مع مئات العناصر من مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية، وحصل على دعم عسكري واسع من موسكو.
وقد وسع غويتا خصوماته مع الغرب بشكل عام، وطرد القوات الأوروبية الخاصة “تاكوبا”، والقوات الأممية، معتبرا وجود القوات الأجنبية على الأراضي المالية جزءا من الأزمة وليس الحل.
وبالمقابل تحالف غويتا مع تركيا، وإيران، وبات في نظر الكثيرين داخل مالي وخارجها بمثابة قائد “تحرر” يسعى لتخليص بلاده والقارة من كل أنواع “الاستعمار” الحديث.
وقد استعادت مالي في عهد غويتا السيطرة على عدة مناطق كانت تحت قبضة المجموعات المسلحة الأزوادية، ووضعت دستورا جديدا، وأجلت فيها الانتخابات دون تحديد أي موعد جديد لها.
وبات غويتا الرجل القوي في البلاد، بل وخارجها حيث حذت بوركينا فاسو والنيجر حذو جارتهما، فأطاح الجيش في واغادوغو بالرئيس المدني روك مارك كريستيان كابوري، وبعد أشهر أطاح كذلك بالرئيس الانتقالي العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، وتولى السلطة النقيب إبراهيم تراوري.
أما في نيامي، فأطاح الجيش قبل عام بالرئيس المدني محمد بازوم، وتولى الجنرال عبد الرحمن تياني السلطة لفترة انتقالية، ولم يعرف بعد ما إذا كان سيمدد فترة بقائه على غرار النقيب تراوري الذي مدد حكمه لخمس سنوات، أم سينظم انتخابات تسمح بعودة المدنيين للسلطة.
وقد تقفى البلدان أثر مالي، فطردا القوات الأجنبية بما فيها الفرنسية وتحالفا مع روسيا وتركيا وإيران، وانسحبا مع مالي من منظمة “سيدياو”، كما انسحبت البلدان الثلاثة من مجموعة دول الساحل الخمس، وأسست إطارا جديدا يحمل اسم “تحالف دول الساحل”.
وإذا كان غويتا قد قطع خطوات في سياسة “السيادة”، فإنه فشل في إبعاد تهديد الجماعات المسلحة، حيث ما تزال تنشط بقوة في شمال ووسط البلاد.
وانهزم الجيش ومعاونوه الروس في عهد الرئيس الانتقالي، خلال معارك جرت نهاية يوليو الماضي، ضد القوات المسلحة الأزوادية بمنطقة تينزواتين بالشمال المالي قرب الحدود مع الجزائر.
ويبدو من خلال الخطوات المتتالية لغويتا، أنه يريد البقاء في السلطة لفترة أطول، ولكنه يواجه تحديات صعبة على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، لن يكون من السهل تجاوزها، ولا البقاء بالسلطة في ظل استمرارها، وفي هذه الحالة فإنه قد يناور بتنظيم انتخابات رئاسية يشارك فيها سعيا للبقاء، عبر بوابة الاقتراع الشعبي.