بين شهري يونيو ويوليو الماضيين، نشرت كينيا كتيبتين عسكريتين في هايتي، تضم كل منهما 200 شرطي، ولا يستبعد أن تبعث كتائب أخرى لاحقا.
وأمام الأمم المتحدة، أعلن قبل أيام رئيس الوزراء الغيني أمادو أوري استعداد بلاده للمشاركة بحوالي 650 شرطي ودركي في قوة متعددة الجنسيات لتحقيق الاستقرار في هايتي.
وينتظر لاحقا أن تشارك دولة بنين في هذه القوات متعددة الجنسيات، ما يعني أن نحو نصف القوة المحددة أمميا في 2500 شرطي سيكون من القارة الإفريقية، بالإضافة لدولتي بنغلاديش وجامايكا.
إن مهمة نشر قوات دولية في هايتي، الدولة الصغيرة الواقعة بأميركا اللاتينية، وتحدها الدومينيكان، وكوبا، ستكون إحلال السلم والاستقرار، من خلال التصدي للعصابات المسلحة التي تسيطر على مساحة واسعة من العاصمة بورت أوبرانس، وتتهم بارتكاب انتهاكات بينها “القتل والاغتصاب والنهب، والخطف للحصول على فدية”.
لكن اللافت في الأمر، أن هذه الدول الإفريقية الثلاث التي تسعى لإحلال السلام في هايتي تعيش بلدان مجاورة لها عدم استقرار أمني، وتعد هي نفسها مهددة بذات الخطر.
ففي نهاية شهر مارس الماضي، أعلنت السلطات الكينية مقتل مدني و3 ضباط شرطة في انفجار وقع بفندق قرب مركز للشرطة في شمال شرق البلاد، في بلدة تقع على الحدود مع الصومال، ومعروف أن دولة الصومال تعاني منذ نحو عقدين من عدم الاستقرار الأمني جراء الهجمات التي تنفذها باستمرار جماعة “الشباب”، وكثيرا ما نفذت هذه الجماعة هجمات على الأراضي الكينية.
أما بالنسبة لبنين الواقعة بغرب إفريقيا، فقد باتت تصنف ضمن قائمة الدول المستهدفة من طرف الجماعات المسلحة، وقد شهدت نهاية يوليو الماضي هجوما تبنته جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين”، خلف ما لا يقل عن 12 قتيلا.
وقبل هذا الهجوم عرفت البلاد عدة هجمات أخرى، فحدودها مع النيجر وبوركينا فاسو غير المستقرتين منذ نحو عقد من الزمن، جعلتها محل استهداف من طرف الجماعات المسلحة، خصوصا وأنها دولة لها واجهة بحرية، وتطل على خليج غينيا الغني بالنفط والغاز، وهذا يغري المسلحين.
وبخصوص غينيا كوناكري، صحيح أنها مستقرة أمنيا حيث لم يسبق أن شهدت هجوما مسلحا، ولكنها قد لا تكون في مأمن من ذلك في الفترة المقبلة، حيث تحد مالي من الشمال، ومالي تعاني من هجمات الجماعات المسلحة منذ عام 2012، وعرفت عاصمتها باماكو مؤخرا هجوما، خلف خسائر كبيرة في الأرواح.
لكن غينيا وإن كانت مستقرة من الناحية الأمنية، إلا أنها ليست كذلك من الناحية السياسية، فمنذ أطاح الجيش بالرئيس المدني ألفا كوندي في سبتمبر 2021، يعيش البلد غرب الإفريقي مرحلة انتقالية لم تعرف بعد نهايتها، وسط احتقان سياسي واجتماعي متناميين.
إن العامل المشترك بين الدول التي نشرت أو تسعى لنشر قوات عسكرية في هايتي، بالإضافة إلى التهديد الأمني، هو أنها تعيش كذلك أزمات اقتصادية، وهذا العامل لا شك أنه السبب المباشر في توجهها نحو نشر هذه القوات، حيث إن الأمم المتحدة تسعى إلى تمويل هذه العملية بمبلغ سنوي يناهز 600 مليون دولار، وهذا التمويل على قلته، إلا أن البلدان الإفريقية الثلاثة تعتبره عاملا مساعدا لها في تجاوز أزماتها.
فكينيا مثلا تعاني أزمة اقتصادية جعلتها تضيف ضرائب بقيمة 2,7 مليار دولار قصد خفض عبء عجز الميزانية، وهو ما تسبب لها في أزمة اجتماعية، أجبرت السلطات على إلغاء مشروع القانون الخاص بفرض الضرائب.
كما عرفت غينيا نهاية العام 2023 أزمة اقتصادية خانقة، إثر تعرض مستودع الوقود الرئيسي في البلاد لحريق ضخم، خلف مئات القتلى والجرحى.
أما بالنسبة لبنين فقد عانت اقتصاديا خلال الأشهر الأخيرة، جراء أزمتها السياسية مع جارتها النيجر التي كانت تعتمد على ميناء كوتونو في الإيراد والتصدير بنسبة 69%، وبالتالي تجني البلاد أرباحا كبيرة من الضرائب على البضائع التي تمر عن طريق مينائها نحو نيامي، وتعمل كثير من الشركات المسجلة في بنين على تصدير السلع والمنتجات الغذائية نحو الجارة الشمالية.