قبل أيام حلت ذكرى مرور 3 أشهر على الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس النيجري محمد بازوم، دون أن يترك العسكريون الذين أطاحوا به السلطة، ودون أن تنفذ المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” وعيدها بشأن التدخل العسكري في البلاد.
ورغم أن مضي أزيد من 90 يوما على تولي الجنرال عبد الرحمن تياني ورفاقه السلطة في البلاد، يعد انتكاسة للمجموعة غرب الإفريقية، وتراجعا للثقة الكبيرة التي كانت تحظى بها إقليميا، إلا أن حكام نيامي الجدد يعانون صعوبات كبيرة.
فبعد أن اجتازوا اختبار التهديد بالتدخل العسكري، عبر تشكيلهم ائتلافا ثلاثيا ضم بلادهم ومالي، وبوركينا فاسو، البلدين الجارين المحكومين من طرف نظامين انقلابيين، ولوحوا بالتصدي لأي “عدوان” على البلاد، فإنهم لم يستطيعوا بعد مواجهة سلاح العقوبات الاقتصادية على نحو ناجع.
لقد عانى البلد الحبيس، الذي تعتمد ميزانيته السنوية بنسبة 40% على المساعدات الخارجية، من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه من طرف “سيدياو” وشركاء النيجر التنمويين.
ومنذ 3 أشهر تعاني مناطق نيجرية واسعة من انقطاع التيار الكهربائي، لاعتماد البلاد بنسبة تناهز 70% من احتياجاتها الكهربائية على نيجيريا.
كما أن استمرار إغلاق الحدود معها خصوصا من طرف نيجيريا، وبنين، تنفيذا لعقوبات “سيدياو” تسبب في توقف حركة البضائع والأسخاص، التي كانت تدر دخلا ماديا هاما على الدولة، وعلى أعداد كبيرة من السكان كذلك.
لقد توقفت الصادرات والواردات النيجرية من وإلى معظم دول غرب إفريقيا، ما تسبب في ندرة كبيرة للعديد من المواد الغذائية والأدوية في الأسواق النيجرية، وغلاء الأسعار، وارتفاع التضخم.
وفضلا عن ذلك، فإن معاناة ملايين النيجريين الذين تصنفهم المنظمات الأممية ضمن دائرة المحتاجين لمساعدات إنسانية وغذائية عاجلة، تضاعفت بشكل كبير.
وينتظر أن يزداد تضييق الخناق على العسكريين، بعد قطع الولايات المتحدة الأمريكية مساعدات بقيمة 500 مليون دولار كانت تقدمها سنويا للبلاد، كما أوقف الاتحاد الأوروبي دعمه ومساعداته المالية لنيامي، وتبنت دوله السبع والعشرون مؤخرا إطارا يسمح ب”معاقبة الأفراد والكيانات المسؤولة عن الأعمال التي تهدد السلام والاستقرار والأمن بالنيجر” في إشارة للمجلس العسكري الحاكم.
وإزاء هذه العقوبات، عمل المجلس العسكري الذي يقود حكومته الخبير الاقتصادي علي محمد الأمين زين، الممثل السابق للبنك الإفريقي للتنمية في تشاد والكوت ديفوار والغابون، على خفض ميزانية 2023 بنسبة 40%.
وأعلن الأمين زين أن الميزانية ستكون متقشفة، مع إعطاء الأولوية لضمان الأموال اللازمة للأمن، ودفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.
كما أعلن المجلس العسكري عن إنشاء صندوق تضامني، يعتمد في تمويله على التبرعات، والرسوم على النقل والاتصالات، وكذا الضرائب على النفط.
لكن مدى فاعلية مثل هذه الخطوات تجاه العقوبات الاقتصادية والتجارية الإقليمية والدولية، وكذا مدى قدرة المجلس العسكري على الصمود لفترة أطول، يعد الرهان والتحدي الأبرز، خصوصا وأنه لم ينخرط بعد في اتخاذ خطوات “حسن نية” بشأن السعي لتسليم السلطة للمدنيين، من خلال فتح حوار، ووضع أجندة انتخابية، كما فعلت مالي وبوركينا فاسو، من أجل التخفيف التدريجي للعقوبات.
ومن الواضح أن العسكريين سيسعون في المرحلة المقبلة إلى البحث عن شركاء خارجيين جدد، لإبرام اتفاقيات معهم فيما يخص اليورانيوم، والذهب، والنفط، بعد إلغاء الاتفاقيات مع فرنسا، لكن مدى البدء الفعلي في جني مردود من هذه المعادن قد يأخذ فترة طويلة.
وقد أوفد المجلس العسكري مؤخرا وزير خارجيته إلى إيران، حيث التقى رئيس البلاد إبراهيم رئيسي، الذي أكد استعداد طهران التعاون مع نيامي.
كما أبدت النيجر اهتماما كبيرا للتعاون مع روسيا، وهي بهذا التوجه نحو طهران وموسكو، تخطو ذات خطوات باماكو وواغادوغو.
ورغم ذلك، فإن إيران وروسيا في الوقت الحالي لن تكونا مستعدتين لإنقاذ النيجر من سيف العقوبات الاقتصادية والتجارية المسلط عليها، وذلك بفعل وجود أولويات أخرى، وسياقات أخرى مختلفة.
فهل يذعن عسكريو النيجر للعقوبات الاقتصادية؟ أم تتراجع سيدياو والأطراف الدولية، بعد فشل التهديد العسكري؟