اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

وانتصر المجلس الدستوري على الرئيس والبرلمان في السنغال

بعد أزمة استمرت أسابيع، أخيرا دخل السنغاليون أجواء الحملة الانتخابية، استعدادا لاستحقاقات 24 من مارس الجاري، لانتخاب خامس رئيس للبلاد منذ استقلالها عن المستعمر الفرنسي عام 1960.
لقد وقف المجلس الدستوري بحزم في وجه تأجيل الانتخابات الرئاسية، ودخول البلاد مرحلة أشبه بالولاية الثالثة للرئيس ماكي سال، وذلك بعد تصويت البرلمان على مشروع قانون يقضي بتأجيل الاقتراع 10 أشهر عن موعده الأصلي، الذي كان مقررا في 24 من فبراير الماضي.

وكان الرئيس الذي تنتهي ولايته في 2 من شهر ابريل المقبل، أول من أعلن تأجيل الانتخابات لكن دون تحديد موعد لها، وبرر قرار التأجيل بتفادي وقوع أزمة بين البرلمان والمجلس الدستوري.
ويعود أصل الأزمة إلى اتهام الحزب الديمقراطي السنغالي أو “حزب واد” بعض أعضاء المجلس الدستوري ب”الرشوة والفساد”، إثر رفض ملف ترشح كريم واد، وتقدم الحزب بمقترح تشكيل لجنة برلمانية للتحقيق في ملابسات قبول ورفض ملفات الترشح لدى المجلس.

وقد تم تشكيل هذه اللجنة، لكن المجلس الدستوري نفى التهم الموجهة له، وقال بعدم أحقية البرلمان بالتحقيق في شؤونه، وحذر من دخول البلاد أزمة لا طائل من ورائها.
وعلى إثر هذا السجال بين المجلس الدستوري والبرلمان، تدخل الرئيس وأجل الانتخابات، ليرد “حكماء المجلس” ب”لا دستورية” قرار ماكي سال التأجيل، وتصويت البرلمان على مدة التأجيل، ودعا لتنظيم الانتخابات في أسرع وقت.
وأصدر المجلس قائمة تضم 19 مترشحا للانتخابات، وأبقى على استثناء كريم واد من المشاركة، لأنه لم يعلن التخلي عن جنسيته الفرنسية إلا بعد التقدم بملف ترشحه، والقانون السنغالي يحظر على مزدوجي الجنسية الترشح للرئاسة.

كما استثنى المجلس الدستوري من القائمة المحدثة للمترشحين، بالإضافة إلى كريم واد، روز ورديني التي أعلنت الانسحاب من السباق الرئاسي، وكانت قد أوقفت بتهمة “المخادعة” بشأن حملها الجنسية الفرنسية، وهو ما نفته بشدة، وقررت التراجع عن الترشح.
وعلى إثر إلغاء المجلس الدستوري تأجيل الانتخابات، دعا الرئيس ماكي سال لحوار وطني هدفه تحديد موعد جديد للاقتراع، وقد اقترح المشاركون فيه 2 من يونيو موعدا للاستحقاقات الرئاسية، كما اقترحوا بقاء الرئيس في منصبه إلى حين تسليم السلطة لخلفه.

لكن المجلس الدستوري عاد مجددا وأعلن رفضه المقترح، مؤكدا على ضرورة أن تنظم الانتخابات قبل انتهاء ولاية ماكي سال، فاقترح الأخير 24 مارس أي قبل موعد خروجه من السلطة ب9 أيام، وهو ما تم قبوله من طرف المجلس.

وهكذا انتصرت إرادة المجلس الدستوري لصالح الديمقراطية السنغالية، وأنقذ بذلك التاريخ المضيء للسنغال باعتبارها مثالا في المنطقة، حيث لم يسبق أن وصل فيها رئيس السلطة إلا عبر انتخابات، وكثيرا ما تكون على مستوى كبير من الشفافية والنزاهة.

وقد ساهمت في هذا الانتصار الذي حققه المجلس الدستوري، التعبئة الشعبية الكبيرة الرافضة لأي تأجيل انتخابي، رغم أن الثمن كلف حياة أشخاص، ودخول آخرين المستشفيات متأثرين بإصاباتهم إثر القمع الذي تعرضوا له.
وفي الواقع فإن ولاية ماكي سال الثانية، لم تكن مستقرة من الناحية السياسية، حيث شهدت البلاد منذ العام 2021 الكثير من الاضطرابات، ودخل خلالها أبرز المعارضين وهو عثمان سونكو السجن، وما يزال معتقلا رفقة مرشحه الذي قبل المجلس الدستوري ملفه بصيرو ديوماي فاي.

ورغم اعتقال هذين الشخصين، فقد سمح لهما بإيداع ملفي ترشحهما، لكن ملف سونكو رفض بداعي عدم اكتماله، فيما تم قبول ملف رفيقه، وهذا فيه مستوى من القانونية يفتقد في الكثير من البلدان الأخرى.

وفي كل الأحوال فإن السنغاليين اجتازوا الآن العتبة الأهم، ويتطلعون في غضون أسبوعين لانتخاب رئيس جديد من بين المتنافسين 19 على خلافة ماكي سال.

spot_img