تشهد الجارة السنغال منذ أسابيع جدلا واسعا بشأن قضية ديون الدولة وعجز الميزانية، فالنظام الحاكم منذ أقل من سنة يتهم الرئيس السابق الذي أدار شؤون البلاد على مدى 12 عاما، بإغراق البلاد في الديون، وبالفساد، والمتهم ينفي كل ذلك، ويقول إن الأمر لا يعدو مناورة سياسية.
وقد أبدت حكومة عثمان سونكو حزما أكبر إزاء ما تعتبره وضعا كارثيا تعيشه السنغال، حيث أعلن الناطق باسمها محمدو مصطفى ندياك ساري عبر إذاعة محلية خاصة، أن الرئيس السابق ماكي سال “لا يمكنه الإفلات من العدالة”، واصفا إياه بأنه “زعيم العصابة”.
وقال المسؤول الحكومي إن الرئيس سال، إذا أحيل تقرير محكمة الحسابات الذي يغطي جزءا فقط من فترة حكمه من 2019 إلى 2024، إلى الجهات القضائية، فإنه سيتعين عليه الرد أمام المحاكم.
وقبل تصريحات الناطق باسم الحكومة السنغالية، تحدث وزير العدل السنغالي عثمان دياني عن احتمال أن تكون هناك إجراءات قانونية ضد من يصفهم نظام بصيرو ديوماي فاي ب”مدبري الإخفاقات الخطرة” التي كشفت عنها محكمة الحسابات في تقريرها.
وتعود بداية هذا الجدل إلى أشهر خلت، عندما عقد عثمان سونكو مؤتمرا صحفيا قدم خلاله بعض الأرقام حول نفقات نظام ماكي سال، منها مثلا حديثه عن إنفاق أكثر من 2500 مليار فرنك إفريقي “تحت غطاء سر الدفاع، للتهرب من قواعد الصفقات العمومية” خلال 4 سنوات.
كما اتهم سونكو نظام سال كذلك ب”تبديد 750 مليار فرنك إفريقي في إدارة الفيضانات”، وقال إنه “يكذب ويتلاعب بالأرقام المقدمة للسنغاليين والشركاء الدوليين، وفي مقدمتهم صندوق النقد الدولي”، مضيفا أن “الدين أعلى ب10 نقاط” من المعدل المعلن، واعدا بفتح تحقيقات في هذه القضايا وغيرها.
وقد حرص ماكي سال على الرد على التهم الموجهة إليه عبر الإعلام الدولي، فبعد إعلان الحكومة مؤخرا عن احتمال أن تكون هناك إجراءات قانونية قد تطاله، رد من جوهانسبرغ في مقابلة مع مجلة “جون أفريك” الفرنسية نشرت قبل أيام، بأنه لا يخشى من أي إجراء ضده، وبأن ما يحصل عبارة عن “عملية سياسية”.
وقال سال إن نظامه كان يعمل دائما ب”شفافية كاملة مع جميع الشركاء”، ورمى الكرة في مرمى محكمة الحسابات، قائلا إنها كانت تصادق على “الحسابات المالية للدولة”، مقللا من شأن تهديده بالقضاء.
وقبل ذلك رد الرئيس السابق على اتهامات سونكو في مقابلة مع قناة “بلومبرغ” في لندن قائلا إنه غادر الرئاسة “وكل المؤشرات كانت خضراء”.
ودافع سال في ذات المقابلة عن السياسة الاقتصادية لنظامه، مؤكدا أن ارتفاع حجم الديون كان لصالح تمويل بعض المشاريع الاستراتيجية كالطرق السريعة والملاعب، داعيا النظام الجديد الذي يتهمه، إلى عدم الخلط بين الاقتراض من أجل تمويل التنمية، وبين الإفراط في المديونية.
وقد نشرت محكمة الحسابات مؤخرا تقريرا، أفاد بأن الدين العام للسنغال يمثل نسبة 99.67% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل نسبة 70% أعلن عنها نظام ماكي سال.
وأوضح التقرير أن عجز الميزانية بلغ 12.3% خلال سنة 2023، مقابل 4.9% أعلن عنها نظام الرئيس السابق، كما أشار كذلك إلى وجود دين كبير تم التعاقد عليه خارج الميزانية، ولم يتم إيراده ضمن حسابات الدولة.
وعلى ضوء هذا التقرير أعلنت وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني تراجع الاقتصاد السنغالي من درجة “بي 1” إلى “بي 3″، وتعني “درجة ضعيفة ومحفوفة بالمخاطر”.
ولم يسبق للسنغال منذ عقدين على الأقل أن صنفت ضمن قائمة الدول التي تعاني مخاطر مالية، لذلك فإن من شأن ترتيب هذه الوكالة أن يؤثر على ثقة المستثمرين في البلاد، وقد يتسبب في التراجع عن تمويل بعض المشاريع الاقتصادية.
وأمام الموقفين المتباينين للسلطة الحالية والسابقة فيما يتعلق بالاقتصاد، فإنه لا يمكن كذلك إغفال حضور العامل السياسي ذي الطابع الانتقامي، فالرئيس الحالي ورئيس وزرائه سجنا، وتعرضا للمضايقة، وحُل حزبهما السياسي من طرف النظام السابق، وهو بعد قد يكون دافعا رئيسيا وراء الخطوات التي ينوي نظام بصيرو وسونكو اتخاذها ضد ماكي سال.
هل يقود تقرير محكمة الحسابات ماكي سال إلى السجن؟
