استقبل مساء السبت في نيامي رئيس المجلس العسكري الحاكم بالنيجر الجنرال عبد الرحمن تياني، وفدا من كبار العلماء المسلمين وقادة الجمعيات الإسلامية في نيجيريا برئاسة الشيح عبد الله بالا لاو، ضمن وساطة الهدف منها البحث عن حل سلمي ينهي الأزمة التي تشهدها النيجر، إثر انقلاب الجيش على الرئيس المدني المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو الماضي.
وقد أعرب رئيس الوزراء النيجري علي محمد الأمين زين في تصريح للصحافة بعد انتهاء الاجتماع، عن انفتاح المجلس العسكري على الوساطة والحلول السلمية، ودعا العلماء بدورهم رئيس نيجيريا الرئيس الدوري للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بولا أحمد تينوبو إلى “الانتظار وعدم الإقدام على أي تدخل عسكري في النيجر”.
وسبقت زيارة وفد العلماء، زيارات أخرى لشخصيات دينية، في الوقت الذي رفض فيه المجلس العسكري استقبال وفد ثلاثي من “سيدياو” والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة، ما يؤشر على نفوذ الدبلوماسية الدينية، وقدرتها على إحداث اختراق في الأزمة النيجرية.
فقد زار نيامي سلطان إمارة سوكوتو النيجيرية محمد سعد أبوبكر، ورموز إسلامية أخرى من شمال نيجيريا وخاصة من قومية الهوسا التي ينحدر منها عشرات ملايين الساكنة في البلدين، ويشكل الشمال النيجيري والجنوب النيجري منطقة نفوذ واسعة لها.
كما زار النيجر كذلك شيخ الطريقة التيجانية في نيجيريا الشيخ محمد السنوسي، الذي تربطه علاقات وثيقة بالعديد من الزعماء التقليديين بالنيجر، خاصة أمير “دمغرم” الشيخ أبوبكر عمارو.
وتبرز مختلف هذه الزيارات، أن لدى الدبلوماسية الدينية ما تقدمه في إطار مساعي حل الأزمة النيجرية، إذ أن كلمة العلماء والقادة الدينيين مسموعة في الوسطين الشعبي والرسمي.
غير أن الدبلوماسية الدينية بالمقابل، قد لا تمتلك من الوسائل وقوة التأثير ما يمكنها من إيجاد حل لهذه الأزمة المعقدة، خصوصا وأن حكام النيجر العسكريين، أعلنوا مقابل انفتاحهم على الوساطة، ضرورة رفع العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على البلاد.
كما أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا لا ترى بحل لا يعيد الرئيس المعزول محمد بازوم إلى السلطة، وهو ما يحظى بمساندة الاتحاد الإفريقي، وعدد هام من الشركاء الدوليين.
وأمام تصلب هذه المواقف لن تكون الدبلوماسية الدينية قادرة على التوفيق بين الموقفين المتباينين، لكن حضورها على خط حلحلة الأزمة سيكون مهما بالنسبة للعسكريين لأن تعاطيهم مع رجال الدين ذوي النفوذ الواسع، يمنحهم اعترافا شعبيا أوسع سواء داخل النيجر أو نيجيريا، أو حتى على الصعيد غرب الإفريقي بشكل عام.
كما أن الدبلوماسية الدينية تهم كذلك منظمة “سيدياو” من أجل تسهيل استقبال العسكريين لموفديها ضمن الوساطة والبحث عن حل سلمي.
ومن الواضح الآن أن خيار الحل السلمي يبدو الأوفر حظا على مستوى المنظمة غرب الإفريقية، فقد أعطته الأولوية خلال قمتها الاستثنائية المنعقدة مؤخرا في أبوجا.
كما أن بعض الدول الأعضاء في المنظمة بدأت تعارض التدخل العسكري بشكل علني، كما هو حال جمهورية الرأس الأخضر، والتوغو.
فضلا عن ذلك، فإن برلمان “سيدياو” لم يستطع خلال قمته الاستثنائية الافتراضية، الخروج بموقف موحد مؤيد للتدخل العسكري في النيجر.
كما تسبب تباين المواقف في تأجيل اجتماع لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي، تزامنا مع انتهاء مهلة أسبوعين المحددة من الاتحاد لعسكريي نيامي من أجل العودة إلى ثكناتهم.
وضمن مساعي قطع الطريق أمام أي حل غير سلمي، فإن الدبلوماسية الدينية قد تسعى إلى تشكيل تحالف بين العلماء والقادة الدينيبن، يتجاوز النيجر ونيجيريا، نحو باقي دول منطقة الغرب الإفريقي كالسنغال، وساحل العاج، ومالي، وبوركينا فاسو، وهو ما سيكون تأثيره أكبر شعبيا ورسميا. فهل تمنع الدبلوماسية الدينية قرع طبول الحرب في النيجر؟ أم أن ما انتزع بالقوة لن يسترد إلا بها؟
محفوظ ولد السالك / كاتب متخصص في الشأن الإفريقي