لقد شكل الانقلاب العسكري الذي أطاح في 26 يوليو الماضي بالرئيس النيجري المنتخب محمد بازوم، فرصة لمالي وبوركينا فاسو اللتين يحكمهما نظامان عسكريان انقلابيان، لتعزيز موقفهما، ورد الصاع صاعين للمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا – التي ناهضت انقلابات باماكو، وواغادوغو، وكوناكري – ولفرنسا القوة الاستعمارية التقليدية المرفوضة في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.
وقد تجلت الخطوة الأولى، في إعلان البلدين في بيان مشترك، أن أي تدخل عسكري بالجارة النيجر، يعد بمثابة “عدوان” عليهما، وبالتالي فإنهما ستتدخلان دفاعا عن نيامي.
وتفعيلا لهذا الموقف، أوفدت مالي وبوركينا فاسو، وفدا مشتركا بقيادة المتحدث الرسمي باسم الحكومة المالية عبد الله مايغا إلى نيامي، وجدد الوفد في لقاء مع قادة المجلس العسكري الحاكم بالنيجر، موقف البلدين الحازم تجاه أي تدخل عسكري من أجل إعادة الرئيس المعزول محمد بازوم للسلطة.
وحين أعلنت سيدياو أن “يوم الزحف” نحو النيجر بات معلوما، وأنها جاهزة للتدخل العسكري، لكنها تعطي الأولوية للحل السلمي، نشرت مالي وبوركينا فاسو طائرات عسكرية في نيامي، كما عقد مجموعة من ضباط البلدين اجتماعا مع نظرائهم النيجريين، لبحث سبل التصدي لأي تدخل عسكري محتمل.
ويعطي البلدان الانطباع بأنهما ماضيان في التدخل العسكري دفاعا عن جارتهما، إذا ما تعرضت لاعتداء من طرف سيدياو، في خطوة ظاهرها التضامن الإفريقي – الإفريقي، وباطنها النكاية في المجموعة غرب الإفريقية، وفرنسا.
لكن هذه الخطوة، ورغم الترحيب بها من طرف شعوب البلدان الثلاثة، إلا أنها تنطوي على مخاطرة كبيرة وعدم واقعية، فبالنسبة لمالي لم تستطع بعد القضاء على الجماعات المسلحة بشمالها ووسطها منذ أزيد من عقد.
وينتظر أن يزداد وضع البلاد هشاشة بعد اكتمال انسحاب القوات الأممية، المرتقب أن ينتهي في أفق نهاية العام الجاري، فضلا عن احتمال اندلاع حرب بين قواتها وقوات الحركات الأزوادية، المناهض معظمها للنظام الحاكم في باماكو.
أما بالنسبة لبوركينا فاسو، فإنها نسبة 40% من أراضيها تقع تحت سيطرة الجماعات المسلحة، وهي تعد من ضمن أضعف دول المنطقة تسليحا، وقد اضطرت مؤخرا إلى اكتتاب آلاف المدنيين وتسليحهم للتصدي للمسلحين.
وتسعى البلاد على غرار مالي، للحصول على معدات حربية من روسيا، بعدما طردت القوات الفرنسية من أراضيها، لكنها لم تحصل بعد على ذلك، وإن كانت العلاقات بين واغادوغو وموسكو تشهد تطورا كبيرا.
إن معطيات الوضع الراهن تؤكد أن التدخل العسكري لمالي وبوركينا فاسو في النيجر، سيشكل فرصة كبيرة للجماعات المسلحة من أجل توسيع نطاق انتشارها في البلدين، كما أنه قد يتسبب في الانقلاب على العقيد عاصيمي غويتا، والنقيب إبراهيم تراوري.
فضلا عن ذلك، فإن منظمة سيدياو، ستضغط عليهما من أجل احترام خارطة الطريق المتفق عليها بشأن المسار الانتقالي وتنظيم الانتخابات، وقد يصل بها التصعيد حد مناهضة ترشح العسكريين خلال الاقتراع الرئاسي.
وإذا ما قرر البلدان الانسحاب من “سيدياو” كما لوحا بذلك في وقت سابق، فإن ذلك سيوسع عزلتهما إقليميا، وسيعمق المتاعب الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشانها.
إن الأجدر بمالي وبوركينا فاسو، أن تتصديا بقوة أكبر للخطر المسلح الذي تواجهانه، والذي يشهد تمددا مستمرا، في الوقت الذي كان ينتظر أن تكون مقاربة العسكريين الأمنية مختلفة عن المدنيين، وأن تتراجع الهجمات المسلحة تدريجيا في أفق تطهير البلدين النهائي من الجماعات المسلحة.
إن جيوش المنطقة تستغل منذ العام 2020 مناهضة الشعوب للوجود الفرنسي واعتباره سببا في ما تعيشه المستعمرات السابقة من فقر وتخلف وأزمات، لتنفيذ انقلابات عسكرية تحت يافطة السيادة والوطنية، والتهديد الأمني، لكن العسكريين لا يقومون في أحسن الأحوال بأكثر من تغيير الشريك والارتماء في أحضان شريك جديد، أما الواقع فيظل كما هو، والأفق لا شيء يلوح فيه.
محفوظ ولد السالك / كاتب متخصص في الشأن الإفريقي