على نحو متسارع تتطور الأحداث الميدانية للفصل الجديد من المعارك بين الجيش الكونغولي ومقاتلي حركة “23 مارس” المعروفة كذلك بحركة “أم23″، التي تتهم كينشاسا جارتها كيغالي بدعمها، وتنفي الأخيرة ذلك.
وتشير الأمم المتحدة إلى أن الحركة بدعم من آلاف الجنود الروانديين باتت تفرض طوقا على مدينة “غوما” عاصمة إقليم “شمال كيفو”، وهو ما أثار مخاوف إفريقية، وأوروبية وأممية، فسارعت للتحذير من خطورة الوضع.
فعلى الصعيد القاري دعا الاتحاد الإفريقي في بيان صادر عن رئيس مفوضيته موسى فقي محمد، طرفي الاقتتال إلى “التزام صارم بوقف إطلاق النار”، الذي تم الاتفاق عليه في وقت سابق.
كما دعا الاتحاد الأوروبي في بيان وقعته دوله الأعضاء السبع والعشرون، حركة “أم23” إلى وقف تقدمها، والانسحاب فورا من المناطق التي توجد فيها، وهو ذاته الموقف الذي عبر عنه
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال محادثات هاتفية مع زعماء كونغوليين وروانديين.
وبدوره أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن قلقه إزاء تجدد العنف بالشرق الكونغولي الغني بالموارد الطبيعية، محذرا من “خطر اندلاع حرب إقليمية”، فيما سارع مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ حول تطورات الوضع في الكونغو.
ومما يثير المخاوف بشكل جدي إزاء المعارك الحالية، مقتل عدد من عناصر القوات الإفريقية والأممية ومن الجيش الكونغولي كذلك، والذي فقد أحد جنرالاته متأثرا بجروحه، وهو بيتر سيريموامي الحاكم العسكري لإقليم “شمال كيفو”.
وإذا واصلت الحركة المسلحة وتيرة تحركها دون إعاقة، متحدية القوات الأممية والإفريقية والجيش الكونغولي، فإنها قد تحكم قبضتها على كل المناطق الاستراتيجية بالشرق، وهذا يعني السيطرة على جزء هام من اقتصاد البلاد، وربما يثير ذلك أطماعها بشأن التوجه نحو كينشاسا، ومحاولة الإطاحة بالرئيس فيليكس تشيسيكيدي.
لقد تعثر ما لا يقل عن 6 اتفاقيات وهدن سابقة بين السلطات الكونغولية وحركة “أم23″، كما تعثرت الوساطة التي تقودها أنغولا بين الكونغو ورواندا، وهو ما يرجح فرضية أن المعارك قد لا تتوقف قريبا، وربما تتوسع إلى حرب بين كينشاسا وكيغالي.
ويعزز هذا التوجهَ الاتهامُ المباشر الذي وجهته وزيرة الخارجية الكونغولية تيريز كاييكوامبا واغنر لرواندا، خلال الاجتماع الطارئ اليوم الأحد لمجلس الأمن الدولي، حيث تحدثت عن إرسال كيغالي قوات جديدة إلى الشرق الكونغولي، معتبرة الأمر بمثابة “إعلان حرب”.
وقد ساندتها في اعتبار رواندا ضالعة في المعارك بالكونغو، السفيرة الأميركية بالوكالة لدى الأمم المتحدة دوروثي شاي، حيث تحدثت عن “اعتداءات لرواندا وأم23 في غوما”، وطالبت ب”وقف عاجل لإطلاق النار”.
كما دعا الأمين العام الأممي أنطونيو غوتيريش “قوات الدفاع الرواندية إلى التوقف عن دعم حركة أم 23” وإلى “الانسحاب من أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية”.
وتؤشر هذه المواقف على أن المرحلة المقبلة ربما تشهد حربا مباشرة بين الكونغو ورواندا، ولكن ما يهم كينشاسا التركيز عليه حاليا، هو صد المد الهجومي لعناصر حركة “23 مارس”، والبحث عن اتفاق أكثر قدرة على الصمود والاستدامة، لأن الحسم العسكري لن يكون سهلا، والشرق الكونغولي يعرف نشاط أزيد من 100 مجموعة مسلحة، بعضها داعم للجيش، وبعضها مناهض له، وبعضها له ارتباط بتنظيم “داعش” في المنطقة.
إن الموارد المعدنية الهائلة التي يزخر بها شرق الكونغو، تشكل سببا رئيسيا للاضطراب الأمني، إذ أن التنافس عليها، والنشاط في تهريبها، يذكي مطامع المجموعات المسلحة، وكذا بعض الأطراف الإقليمية والدولية.
ومنذ أكثر من عقد تنشط “أم23” كواحدة من أبرز المجموعات المسلحة بالشرق الكونغولي، وقد فشل نظام الرئيس السابق جوزيف كابيلا في القضاء عليها، فأبرم معها اتفاقا صمد لبعض الوقت، ولكنها عادت مجددا للنشاط المسلح ضد الجيش، ويبدو أن الرئيس فيليكس تشيسيكيدي يواجه الآن ذات الاختبار الصعب.