spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

موريتانيا في دائرة الضوء.. ماذا يريد الناتو في الساحل؟

أعلنت الولايات المتحدة وبقية دول حلف  شمال الأطلسي الناتو في ختام أعمال قمة مدريد التي وصفت بالتاريخية، أعلنت توجيه دعم لدول حليفة للمجموعة العسكرية أهمها موريتانيا وتونس لمساعدة جيوش هذه الدول في الحصول على عتاد متطور ومواجهة التحديات التي تشهدها مناطق العالم المتفرقة.

وتصدر جدول أعمال القمة التي حضرها وزير الخارجية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك ملف الحرب الروسية على أوكرانيا وانضمام كل من السويد وفنلندا إلى الحلف، ومواجهة التهديد الروسي وآثاره على دول العالم.

لم تخف مدريد منذ تولي بيدرو سانشيز رئاسة الحكومة الإسبانية اهتماما بالغا بتعزيز التعاون مع نواكشوط خاصة في الناحية الأمنية وهو ما ترجم في شكل لقاءات متسارعة في أفق زمني قصير، كان أهمها زيارة الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني لإسبانيا منتصف مارس الماضي، ثم زيارة عقيلة العاهل الإسباني لانواكشوط في مطلع يونيو الجاري، وقد سبق كل ذلك مشاركة سانشيز نفسه في قمة دول الساحل بنواكشوط في مثل هذا اليوم بالضبط من العام 2020، رغم أن مدريد ليست الشريك السياسي والأمني الأول للمجموعة المتعثرة.

التعبير الواضح عن ضرورة الدعم العسكري لمجموعة دول الساحل وخاصة موريتانيا من لدن الحلف الأطلسي في مدريد يأتي في ظرف دقيق تترنح فيه منطقة الساحل على كف عفريت متأثرة بإرهاصات الحرب الروسية على أوكرانيا من جهة، ومستمدة جذوة التوتر من المحيط غير المستقر سياسيا وأمنيا، فقد فقدت مجموعة الساحل أبرز ميزة ميدانية لها بالاتصال الجغرافي بعد أن أضحت أكثر دولها تأثرا بالتحديات الأمنية والتنموية مرتمية بالكامل في الحضن الروسي ولو على حساب علاقاتها بالجيران.

هكذا وبجرة قلم، قرر عاصيمي غويتا الخروج من مجموعة الساحل والرد بالمثل وفي الآن ذاته على المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والعنوان الأبرز على الدوام كان النفور من الربقة الفرنسية ورفضها والتمتع بسيادة كاملة الأركان، مع فاغنر الروسية؟ نعم، لكن سلطات باماكو تجدها أوصف بالسيادة.

هذا التيار المتحرك، المغاضب، والنافر بدفع واضح من الشارع من النفوذ والتدخل، وأحيانا التحكم الفرنسي، جعل مصالح إقليمية أخرى تعيد تقييم الوضع بدقة، فالفضاء الذي كانت باريس تعتبره حديقة خلفية لها لم يعد كذلك، وعلى رأس هذه المصالح المتشابكة الولايات المتحدة ذات القوة المتحركة آفريكوم بميدانها على طول وعرض القارة.

ترى باريس أنها لم تقصر، ولم تأل جهدا في السعي لصالح شعوب المنطقة ودولها، فقد بذلت من أرواح جنودها في سيرفال وبرخان، وقطع رئيسها البحر مرتين في اتجاه الضفة الأطلسية الأخرى باحثا عن دعم الولايات المتحدة وقبول مجلس الأمن لتفويض مجموعة الساحل بالعمل تحت البند السابع للأمم المتحدة المخول استخدام القوة خارج الحدود، وقد اصطدم في كل مرة ببرود إدارة الرئيس ترمب وانشغالها بملفات أخرى.

تجنبت نواكشوط على طول خط التغيرات في الجارة الشرقية الدخول في مواجهة مباشرة مع موسكو، فولد الشيخ الغزواني إضافة إلى محاولته الحفاظ على سياسة النأي بالنفس يسعى وفق متابعين إلى إنفاذ ديبلوماسية شبيهة بتلك التي كان يديرها الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، قليلة البهارات والبهرجة قليلة المشاكل بالنتيجة. رغم القياس مع الفارق لا تبدو المتغيرات في المحيط كله موحية بإمكانية تحقيق هذا التوازن الديبلوماسي.

كان لدى موريتانيا في مرة واحدة على الأقل من أصل أكثر من حادثة اغتيال لمواطنين موريتانيين عزل على الأراضي المالية، كان لدى موريتانيا ما يكفي من الأدلة والبراهين التي وضعت على طاولة المسؤولين الماليين والتي تدينهم وتدين معهم الشركة الأمنية الروسية التي يملكها طباخ بوتين، فاغنر، ورغم ذلك لم يوقف مشتبه بهم على ذمة الحوادث ولم تعلن أي نتائج.

مع الإعلان عن اللقاء الذي جمع وزيري خارجية موريتانيا والولايات المتحدة، يبدو جليا اهتمام الرئيس الغزواني بالناتو كمنظومة، وقد سبق وزار مقر الحلف ببروكسل والتقى أمينه العام، ثم زار وفد من الحلف نواكشوط والتقى الغزواني بالقصر الرمادي مساعد الأمين العام للحلف مطلع الشهر الجاري وأعقب المسؤول الأطلسي اللقاء بتصريح قال فيه إن نواكشوط محورية في المنطقة بالنسبة للحلف.

مع الوضع الراهن يبدو أن الناتو لا يقبل بالمنطقة الرمادية، فهو إما أن يتعامل مع حليف يصدقه ويسانده، أو عدو يضع يده بيد موسكو اليوم، وربما بكين غدا، وعلى أي حليف أن يختار سريعا.

فهل نواكشوط مستعدة للمفاضلة؟ وأي دور يريد حلف الناتو أن تلعبه نواكشوط؟

spot_img