اتخذت مناهضة الوجود الفرنسي في بعض دول الساحل وغرب إفريقيا منحى جديدا في الآونة الأخيرة، حيث لم تعد تقتصر فقط على البعد المتعلق بإلغاء اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا والدعوة إلى سحب قواتها، وإنما باتت تشمل محو آثار وجود المستعمر السابق.
ويتعلق الأمر أساسا بإعادة تسمية الشوارع والساحات العمومية، التي ظلت لعقود طويلة تحمل أسماء أجنبية أغلبها لشخصيات فرنسية، وبالتالي إعادة الاعتبار لرموز وأبطال وطنيين، لم يحظوا بتقدير جهودهم.
فقبل أيام أمر الرئيس السنغالي بصيرو ديوماي فاي وزيره الأول عثمان سونكو ووزراء آخرين في قطاعات مختلفة، بالعمل على إعادة تسمية الشوارع والطرق السنغالية، بما يتماشى مع ما سماها “الحقائق التاريخية”.
ودعا الرئيس الشاب الذي يحاول أن يتماهى مع موجة مناهضة فرنسا بطريقة خاصة لا قطيعة فيها ولا عداء، إلى إطلاق مشروع لإعادة الكتابة العلمية للتاريخ العام للسنغال، كما أكد على ضرورة نشر وتدريس هذا التاريخ، وإبراز أهمية الاحتفاء ب”الأبطال”.
وقبل هذا الموقف، كان ديوماي فاي قد أكد في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن على فرنسا سحب قواتها من بلاده لأن وجودها يتنافى مع الاستقلال والسيادة، ولكنه أوضح بالمقابل أن باريس شريك مهم لداكار وأن التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما يمكن أن يكون مثمرا بشكل أكبر.
وتبدو هذه الخطوة شبيهة بالموقف الجديد لدولة تشاد، التي ظل ينظر إليها كآخر معقل لفرنسا بالمنطقة، لكنها ألغت مؤخرا اتفاقية التعاون العسكري مع باريس، وبناء على ذلك بدأت الأخيرة سحبا تدريجيا لقواتها.
وقد أكدت نجامينا في بيان لوزارة خارجيتها وفي مؤتمر صحفي للرئيس محمد إدريس ديبي إتنو أنها منفتحة على تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري مع فرنسا.
أما مالي التي انطلقت منها شرارة التوتر مع فرنسا، وكانت أول دول بالمنطقة تدعوها لسحب قواتها بعد زهاء عقد من الزمن على نشرها، فقد خطت مؤخرا خطوة جديدة نحو إعادة تسمية الشوارع.
وفي هذا الإطار تم إطلاق اسم “ساحة كونفدرالية دول الساحل”، على ما كانت تعرف سابقا باسم “قمة إفريقيا – فرنسا”، والواقعة على الطريق المؤدي إلى المطار.
كما تم إطلاق أسماء مامادو لامين درامي على شارع “لويس فيديرب”، وبانزومانا سيسوكو على شارع “لويس برير دو ليل”، والحاج الشيخ عمر تال على شارع “لويس أرشينار”.
وفي المجمل، تمت إعادة تسمية نحو 25 ساحة وشارعا ومؤسسة عمومية بأسماء شخصيات وطنية وهيئات إقليمية، بما ينسجم مع التوجه الجديد للبلاد.
وقبل مالي، كانت النيجر قد أعادت تسمية عدد من شوارعها وساحاتها العمومية، بأسماء رموز وطنية وإقليمية، فأطلقت على شارع “الجنرال شارل ديغول” اسم “جيبو باكاري” وهو أحد رواد الاستقلال النيجري توفي عام 1998.
كما تم إطلاق اسم “ساحة تحالف دول الساحل” على “ساحة الفرانكفونية”، وبات النصب التذكاري الخاص بقتلى الحربين العالميتين يحمل اسم “بوباندي باتاما” وتعني بإحدى اللغات المحلية “إلى موتانا”.
وحلت صورة واسم رئيس بوركينا فاسو الأسبق توماس سانكارا، محل اسم وصورة المستكشف الفرنسي بارفيه لويس مونتيل، على نصب تذكاري في نيامي.
وفضلا عن ذلك، شكلت النيجر لجنة من المؤرخين وعلماء الاجتماع والآثار، كلفتها بإعادة كتابة التاريخ العام للبلاد، معتبرة الأمر ينسجم مع “السيادة الوطنية” التي تتبناها السلطة العسكرية الحاكمة.
واستبدلت بوركينا فاسو حليفة النيجر ومالي في مناهضة فرنسا، اسم “شارع ديغول” باسم شارع الأيقونة الراحل توماس سانكارا.
كما قدمت الحكومة الانتقالية في واغادغو مقترحا لتعديل الدستور ينص على التخلي عن اعتماد اللغة الفرنسية كلغة رسمية للبلاد.
وتعكس كل هذه الخطوات تنامي مناهضة الوجود الفرنسي في هذه الدول، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية فرنسا، فاللغة والثقافة الفرنسيتان حاضرتان بقوة في هذه البلدان.