spot_img

اقرأ أيضا..

شاع في هذا القسم

مالي.. هل ينهار الأمن بعد طرد “بارخان” و”مينوسما”؟

بعد أقل من عام على انسحاب القوات الفرنسية من أراضيها، إثر توتر بلغ ذروته بين عسكريي باماكو وساكن الإيليزي، صوت مجلس الأمن الدولي الجمعة على قرار بالإجماع يقضي بانسحاب القوات الأممية من مالي في أجل ينتهي بحلول نهاية العام الجاري.

وكما هو الموقف إزاء القوات الفرنسية، تعتبر مالي حكومة وشعبا، أن القوات الأممية “جزء من المشكل، وليست جزءا من الحل”، وأن الوضع الأمني باق على حاله منذ نشرها قبل زهاء 10 سنوات.

وبعيدا عن شعارات “السيادة” و”طرد القوات الأجنبية”، و”التحرر من الاستعمار العسكري”، فإن خروج “بارخان” و”مينوسما” يشكل رهانا وتحديا كبيرين أمام سلطات مالي الانتقالية، لتجنب الانهيار الأمني، ففي ظل وجود هذه القوات إضافة للجيش المالي، ظل التحدي الأمني قائما، ما يعني أنه في غياب بعضها، قد يتضاعف التحدي.

وإذا كان المجلس العسكري الانتقالي، قد وضع خارطة شراكات خارجية جديدة لمالي، بديلا عن فرنسا وشركائها الأوروبيين، تتمثل بالأساس في روسيا، وتركيا وإيران، جعلت البلاد تستفيد عسكريا من موسكو وأنقرة، وتبرم اتفاقيات متعددة الأوجه مع طهران، فإن القوات العسكرية المالية ليس بمقدورها تغطية كامل تراب البلاد.

فالجيش الذي يقدر عدد عناصره بحوالي 37 ألف جندي، غائب عن بعض مناطق مالي، التي تفوق مساحتها 1.24 مليون كلم²، هذا فضلا عن ضعف مستوى الجاهزية والتكوين.

كما أن عناصر “فاغنر” التي يشكل حضورها جزءا من مظاهر بسط روسيا نفوذها على المستعمرة الفرنسية السابقة – رغم محاولة موسكو أخذ مسافة من ذلك، ومحاولة باماكو تبرير الحضور بالتدريب فقط – لم تقدم بعد على نحو ملموس، ما يشي بأن الشركة الروسية الخاصة، عوضت بالفعل القوة العسكرية الفرنسية.

فلأول مرة وصل التهديد يوليو الماضي حامية “كاتي” أكثر أماكن البلاد أمنا وتحصينا، حيث يقيم الرئيس عاصيمي غويتا وبعض وزرائه، وقبل أزيد من شهرين قتل مدير ديوان الرئيس و3 أشخاص آخرين معه كانوا ضمن وفد تابع للرئاسة المالية، إثر هجوم وقع على بعد نحو 400 كلم من العاصمة باماكو.

هذا فضلا عن هجوم “مورا” نهاية مارس الماضي، والذي أفاد تقرير أممي صادر قبل أقل من 4 أشهر، أن الجيش المالي ومجموعة “فاغنر” هما من نفذاه ضد المدنيين، وقتلوا منهم 500 شخص، فيما تنفي مالي ذلك وتعتبر الجماعات المسلحة هي من نفذته، وأن الحصيلة لم تكن بهذا المستوى.

ومن الواضح أن هذا التقرير الأممي هو ما عجل بمطالبة مالي رسميا أمام مجلس الأمن، بانسحاب القوات الأممية فورا من أراضيها.

وتعني الأحداث آنفة الذكر وغيرها، أن مالي لا تحتاج للمساعدات العسكرية فقط، وإنما تحتاج كذلك لقوات أجنبية إقليمية كانت أو دولية، لمساعدة جيشها في الطرد النهائي للجماعات المسلحة، وإبعاد الخطر عن كامل ترابها، وبطبيعة الحال لا يعني ذلك أن القوات الفرنسية والأممية كانت تقوم بذلك على أحسن وجه، ولكن وجودها لا يمكن إنكار أنه كبد المسلحين خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.

وإذا ما انضافت للتحديات الأمنية في شمال ووسط مالي، التحديات السياسية المتمثلة في الخلافات الدائرة بين سلطات قصر “كولوبا” وعدد من الحركات الأزوادية، التي لدى بعضها أذرع عسكرية، سبق أن حملت السلاح ضد الجيش المالي، فإن مخاطر انفلات الوضع الأمني تثير المزيد من القلق.

ورغم كل ذلك، فإن غويتا ورفاقه العسكريين، قد ينجحون بمقاربتهم القائمة على “الحاجة إلى السلاح الخارجي، لا إلى مقاتلين أجانب” في إحلال الأمن والسلام بمالي.

لكن أيا تكن المقاربة المعتمدة، فإنه من المستحيل طرد الجماعات المسلحة من مالي قبل الرئاسيات المرتقبة العام المقبل، وبهذا يكون المجلس العسكري قد نجح في طرد القوات الأجنبية، وأخفق في بسط السيطرة على الأمن.

محفوظ ولد السالك

كاتب صحفي متخصص في الشأن الإفريقي

spot_img