في خطوة تعد استثناء في الأنظمة المشابهة بالمنطقة، يتجه المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في النيجر لمحاكمة الرئيس المعزول محمد بازوم بعد نحو عام على الانقلاب عليه، ووضعه رهن الاعتقال.
فقبل أيام أمرت “محكمة الدولة” وهي أعلى محكمة في البلاد، أنشأها النظام العسكري في نوفمبر 2023، برفع الحصانة عن بازوم تمهيدا لمحاكمته.
ويتهم الرئيس الانتقالي الجنرال عبد الرحمن تياني ورفاقه، الرئيس المطاح به في 26 يوليو 2023، بـ”التآمر للاعتداء على أمن الدولة وسلطتها” وبارتكاب “جريمة الخيانة العظمى” و”تمويل الإرهاب”.
ويتهم بازوم كذلك بأنه “أطلق سراح إرهابيين واستقبلهم في مقر الرئاسة، وتحدث هاتفيا “مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، من أجل دعمه عبر تدخل مسلح” يعيده إلى السلطة.
ففي الجانب المتعلق ب”الإرهاب”، كان بازوم قد تبنى نهجا مختلفا، حيث أقر حوارا مع مقاتلي الجماعات المسلحة نيجريي الجنسية، وأثمر ذلك وضع المئات منهم السلاح، وكان قد استقبل بعضهم بدافع تشجيع الآخرين – كما قال في تصريح سابق له – على انتهاج ذات الخطوة.
وفي الواقع فإن عقدا من الحرب بالسلاح ضد الجماعات المسلحة بالساحل لم يجد في شيئ، فقد اتسع نطاق انتشار هذه الجماعات داخل الدول التي ظهرت بها، بل إنها باتت تشكل تهديدا لبلدان أخرى في المنطقة.
وبالتالي كان من ضمن الخيارات المطروحة بالنسبة لبازوم، تجريب الحوار مع هذه الجماعات المسلحة، عل السلم يحقق ما عجزت عنه الحرب.
أما بخصوص التحدث مع الرئيس الفرنسي ووزير الخارجية الأمريكي، وطلب التدخل عسكريا، فإن الأمر ليس مستبعدا أن يكون قد حصل، فقد أمضى بازوم الفترة الأولى التي أعقبت الانقلاب عليه، وهو يتواصل مع أصدقائه وشركاء نظامه إقليميا ودوليا.
وقد كان التدخل العسكري في النيجر لإزاحة الانقلابيين عن السلطة، من ضمن الخيارات المطروحة لدى المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو”، بل إنها ظلت لفترة طويلة تهدد بذلك، ولكنها لم تنفذ وعيدها.
وتبدو خطوة عسكريي النيجر بشأن التوجه نحو محاكمة بازوم استثنائية، ففي مالي المجاورة أطاح العقيد عاصيمي غويتا ورفاقه بالرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، ثم انقلبوا على الرئيس الانتقالي العقيد المتقاعد باه نداو، دون محاكمة أي منهما أو التضييق عليه.
وفي بوركينا فاسو، لم يحاكم النقيب إبراهيم تراوري ورفاقه الرئيس المدني روك مارك كريستيان كابوري لما انقلبوا عليه، ولا رفيقهم العقيد بول هنري سانداوغو داميبا، الذي أطاحوا به بعد 8 أشهى من توليه السلطة.
ورغم أن الرئيسين السابقين يوجدان حاليا خارج البلاد، إلا أن النظام لا يمنعهما من العودة متى ما أرادا ذلك، وسبق أن تعهد بعدم محاكمتهما أو تقييد حريتهما.
وفي غينيا كوناكري، لم يحاكم الجنرال مامادي دومبويا الرئيس المدني ألفا كوندي، وسمح له بتلقي العلاج في الخارج، ونفس الأمر كذلك بالنسبة للغابون فالجنرال بريس أوليغي نغيما وباقي رفاقه في المجلس العسكري الحاكم في ليبرفيل، لم يضيقوا على علي بونغو أونديمبا الموجود حاليا في إقامة بالعاصمة يستقبل فيها كل من أراد، بما في ذلك وسائل الإعلام.
ومن الوارد هنا الإشارة إلى أن بعض هؤلاء الرؤساء المدنيين السابقين توجه إليهم تهم مختلفة من طرف الانقلابيين، بعضها يتعلق ب”الخيانة العظمى” و”الفساد”، و”التآمر على الدولة”، ما يجعل خطوة عسكريي النيجر مثيرة للانتباه.
ولعل التفسير الوحيد لهذه الخطوة، أن تياني ورفاقه يخافون أن يشكل الإفراج عن بازوم تهديدا لبقائهم في السلطة، ولا يريدون كذلك الاستمرار في اعتقاله دون مبرر، ولذلك وجهوا له تهما تستدعي محاكمته، ولاحقا سيحاكم ويبقى في السجن، بذريعة أن القضاء العسكري أدانه.